هل يلغي الذكاء الاصطناعي الحاجة للعمل البشري؟
مايكل روبرتس مايكل روبرتس

هل يلغي الذكاء الاصطناعي الحاجة للعمل البشري؟

بدأت منذ نحو أربعين عاماً ثورة بالأتمتة واستخدام الروبوتات في التصنيع و«المَيكَنة» القائمة على البرمجة والعمالة البشرية القليلة، وكان الدافع منذ البداية سعي الرأسماليين إلى تعزيز الربحية بالتخلص من العمالة البشرية بأعداد كبيرة. فهل المشكلة في تطور التكنولوجيا ذاتها أم في الأهداف والطريقة الرأسمالية في استعمالها؟ فيما يلي أبرز ما ورد (بتصرّف) في مقال للباحث الماركسي مايكل روبرتس نشره في حزيران 2022.

تعريب وإعداد:د. أسامة دليقان

يعتقد دارون أسيموغلو الخبير الأمريكي الرائد في مجال تأثير الأتمتة على الوظائف المستقبلية، والأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بأن الأتمتة الحديثة، ولا سيّما منذ الركود الكبير (2008–2009) وكذلك التراجع الاقتصادي الذي رافق كوفيد-19، هي أكثر ضرراً بمستقبل العمل، وقال في شهادة له أمام الكونغرس الأمريكي: «النمط التكنولوجي للاقتصاد الأمريكي بات أقل توازناً بكثير، وبطريقة ضارّة للغاية بالعمال وخاصة ذوي التعليم المتدني». وبحسب تقديره فإنّ أكثر من نصف، وربما ثلاثة أرباع الارتفاع المفاجئ في عدم المساواة في الأجور في الولايات المتحدة مرتبط بالأتمتة: «مثلاً، تمثل التأثيرات المباشرة لنقل الأعمال إلى الخارج (الأوفشور) حوالي 5% إلى 7% من التغييرات في هيكل الأجور، مقارنة بنسبة 50% إلى 70% عن طريق الأتمتة. لا تدعم الأدلة أكثر الآراء إثارة للقلق بأنّ الروبوتات أو الذكاء الاصطناعي ستخلق مستقبلاً بلا وظائف تماماً، لكن يجب أن نقلق بشأن قدرة الاقتصاد الأمريكي على خلق الوظائف، وخاصة الجيدة ذات الأجور المرتفعة وفرص بناء الحياة المهنية لأولئك العمال الحاصلين على شهادة الثانوية العامة أو أقل». وينطبق تحليله لتأثيرات الأتمتة في الولايات المتحدة أيضاً على بقية الاقتصادات الرأسمالية الكبرى.

الأتمتة قد تخفض الإنتاجية

الاستنتاج الآخر المهم لأسيموغلو هو أنه ليس كل تقنيات الأتمتة ترفع فعلياً إنتاجية العمل: «تلك التي تقلل التكاليف وتعزز الإنتاجية تولد مجموعة من التغييرات التعويضية، كتوسيع نطاق التوظيف في المهام غير الآلية. من ناحية أخرى، إذا كانت الأتمتة لا تولد سوى تحسينات طفيفة في الإنتاجية، فإنها تخلق جميع تأثيرات إزاحة العمال ولكن مع القليل من الفوائد التعويضية». ورغم تحول الاقتصاد الأمريكي أكثر فأكثر إلى الأتمتة، لكنه تحول بشكل أقل إلى أنواع الأتمتة المفيدة اجتماعياً. ويعتقد أسيموغلو أنّ الدافع لتحقيق أرباح إضافية من الأتمتة من قبل الشركات الرائدة يمكن أن يقلل نمو الإنتاجية. وذلك لأنّ الشركات تقدم الأتمتة بشكل أساسي في المجالات التي تجدها معزّزة للربحية، كالتسويق أو المحاسبة أو تكنولوجيا الوقود الأحفوري، ولكنها لا ترفع الإنتاجية للاقتصاد ككل أو تلبي الاحتياجات الاجتماعية.
كما أوضح أسيموغلو: «تتشكل التكنولوجيا الأمريكية والعالمية من خلال قرارات حفنة من شركات التكنولوجيا الكبيرة جداً والناجحة للغاية، مع وجود قوى عاملة صغيرة ونموذج أعمال مبني على الأتمتة». وبينما انخفض الإنفاق الحكومي على الأبحاث المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، تحولت هذه الأبحاث إلى ما يمكن أن يزيد من ربحية عدد قليل من الشركات العابرة للقوميات، وليس زيادة تلبية الاحتياجات الاجتماعية: «انخفضت حصة الإنفاق الحكومي على الأبحاث من الناتج المحلي الإجمالي، وتحول نحو الإعفاءات الضريبية ودعم الشركات. إنّ التقنيات التحويلية للقرن العشرين، مثل المضادات الحيوية، وأجهزة الاستشعار، والمحركات الحديثة، والإنترنت، حملت بصمات الحكومة في كل مكان. كانت الحكومة تمول وتشتري هذه التقنيات وغالباً ما تكون هي من يضع جدول أعمال البحث» ولكن هذه الرعاية الحكومية صارت أضعف اليوم، كما لاحظ أسيموغلو.
في الولايات المتحدة، تقترب الضرائب على البرامج والمعدات من الصفر، ويمكن أحياناً للشركات الحصول على دعم صافٍ عندما تستثمر في مثل هذا المجال بينما تفرض الضرائب على المبالغ التي تدفعها الشركات كأجور للعمال. يولّد هذا دافعاً قوياً لـ«الأتمتة المفرطة» حيث يمكن للشركات توفير المال عند تركيب الآلات للقيام بالوظائف نفسها التي يؤديها العمال وبالتالي تسرّح موظفيها.
ساهمت الأتمتة الرأسمالية في السنوات الثلاثين الماضية في زيادة عدم المساواة في الدخول، من بين عوامل أخرى كالخصخصة، وانهيار النقابات، ونقل وظائف التصنيع إلى «الجنوب» الرأسمالي. ورغم أهمية الأتمتة فإنه مع تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي في عدد من الاقتصادات الكبرى، ارتفع عدم المساواة وشهد العديد من العمال - وخاصة الرجال الذين ليس لديهم شهادات جامعية - انخفاضاً حاداً في دخولهم الحقيقية.
حتى وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين اعترفت بأنّ مكاسب الإنتاجية الأخيرة المدفوعة بالتكنولوجيا قد تؤدي إلى تفاقم عدم المساواة بدل تخفيضها. وقالت إنها كانت تعتقد أنّ الزيادة الكبيرة في العمل عن بُعد الناجمة عن الوباء قد تؤدي في النهاية إلى زيادة الإنتاجية الأمريكية بنسبة 2.7%، ولكن تبين في الحقيقة أنّ هذه المكاسب تعود في الغالب على أصحاب الدخل المرتفع، والعاملين ذوي الياقات البيضاء، تماماً كما كان التعلم عبر الإنترنت متاحاً بشكل أفضل للوصول إليه والاستفادة منه للطلاب البيض الأكثر ثراءً. وتعد زيادة التعلم عبر الإنترنت تحولاً تكنولوجياً آخر رافق الوباء ومن المرجح أن يوسع الفجوة التعليمية والإنتاجية بين أطفال العائلات ذات الدخل المرتفع مقارنةً بذات الدخل المنخفض والأقليات العرقية. وستختفي الوظائف التي تتطلب مهارات تعليمية وتقنية أقل وستحل محلها تلك التي تتطلب مستويات عالية من هذه المهارات.

هناك روبوتات «خَرقاء» أو غير ملائمة

في آذار 2018، طرح في السوق الروبوت «فليبي» Flippy، المصمَّم لتقليب البرغر في صناعة الوجبات السريعة، واستخدمته سلسلة مطاعم CaliBurger في كاليفورنيا. وسرعان ما أحدث ضجة كبيرة. ولكن «فليبي» تقاعد بعد يوم عمل واحد فقط. وألقى مالكو سلسلة مطاعم CaliBurger باللوم في فشل الروبوت على موظفيهم من البشر، قائلين بأنّ العمّال كانوا «بطيئين للغاية» في اللحاق بعمل الروبوت (إكمال تحضير الشطائر بعده) مما تسبب في تراكم «إنجازات فليبي اللحمية». ومع ذلك، لاحظ بعض الصحفيين أيضاً أخطاء الروبوت العديدة في المهمة البسيطة نسبياً التي أسندت إليه وقالوا: «فليبي لم يكن جيداً في وظيفته».

روبوتات «أمازون»لإنهاك العمّال

في مثال عن جشع الشركات الرأسمالية لانتزاع آخر قطرة من عرق العمّال، قامت «أمازون» بتركيب روبوت اسمه «درايفري» Driveri ليقوم بتصوير ومراقبة سائقي التوصيل العاملين لدى الشركة لمسافات طويلة. يشكو أحد سائقي أمازون في واشنطن من ذلك قائلاً: «إنني الآن أقود وخلفي صندوق أسود عجيب يراقبني ويقرّر فيما إذا كنت أواظب على عملي». وفي حين يرى هذا السائق أنّ بعض المقاييس الناتجة عن هذا الروبوت قد تكون مبرَّرة، لكنه يجد بعضها الآخر «سخيفاً»: «الكمبيوترات تبصق علينا هذه المقاييس على شكل عدة صفحات، وتكفي سَقطةٌ واحدة في هذه الأرقام المجرَّدة لتكلّفنا خسارة وظيفتنا... كلّ ما أريده هو أن أوصل هذه الشحنات اللعينة وأعود إلى البيت يا رَجُل!».

المشكلة في الرأسمالية لا في الأتمتة ذاتها

الأتمتة في ظل الرأسمالية تعني خسائر مهمة بالوظائف بين أولئك الأقل تحصيلاً للتعليم والكفاءات، في وقت يصبح فيه التعليم باهظ التكاليف أكثر فأكثر، ويضرب الطبقات الأدنى أجراً. المشكلة أنه في الرأسمالية، تكون الغاية تعزيز الربحية وليس حتى الإنتاجية، وتستخدم الأتمتة والذكاء الاصطناعي والروبوتات للسيطرة على العمّال ومراقبتهم أكثر من مساعدتهم على أداء مهمّاتهم. فقط عبر إزالة الدافع الربحي من التكنولوجيا يمكنها أن تعطي حقاً منافع مفيدة في إنقاص ساعات العمل وزيادة الرفاه الاجتماعي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1093