صراع الحياة جدلية غير منتهية!
الجدلية بين المثالية والمادية بسيطة ومعقدة، ما هو السابق وما هو اللاحق؟ المادة أم الوعي؟ بالنسبة للمادية المادة سابقة للوعي، نحن نكتسب الوعي من خلال ما هو موجود حولنا، أو أننا نعلم أن الطاولة هي طاولة لأننا نراها ونستعملها، ونحن من الأساس من اخترعها وأعطاها اسم طاولة. أما المثالية فتقول: إن الوعي سابق للمادة، أي: أن الطاولة موجودة في وعينا قبل وجودها أمامنا، وكل مِنّا يرى الطاولة على شكل مختلف.
ومن صراع المادية والمثالية ننتقل إلى كل شيء، كيف نرى الصراعات، السياسية والاقتصادية؟ وكيف نرى الحياة وكيف يجب أن تُعاش؟ لهذا خصص العديد من البشر حياتهم لهذا الجواب بالذات، كيف يجب أن تعاش الحياة، وقبل هذا ماذا تعني؟ منذ أول البشر الذين حاولوا الإجابة عن سؤال: ماذا تعني الحياة؟ حاولوا الدخول في صراع المادية والمثالية، انتصرت المثالية، ثم جاء زمن المادية، ومنذ أواخر سني الاتحاد السوفييتي انتصرت المثالية مؤقتاً. ولكن من المنتصر في أي زمن لا ينفي الصراع القائم ولا ينفي الآخر، ولا ينفي أننا إلى اليوم لم ننتهِ من هذا الصراع في أشكال متعددة لطالما التناقضات موجودة.
وللمثالية وعقلها العديد من الألاعيب، من اللجوء إلى الدِّين، أو إلى الماورائيات، إلى اللجوء إلى مشاعر وهموم البشر. وهذا موجود في الحقول كافة، وفي أبسط الأمور التي يجدها العديد طبيعية. وفي أكثرها استغلالاً وهو الحديث عن قيمة ومشاعر الإنسان، أي: الأشياء التي تجعلنا بشراً. وتجعلنا الأعيب المثالية المراوغة في نفس الحقول والحديث المستمر الذي لا ينتهي عن نفس المشاكل والأسباب والحلول. مثل: الحديث عن الأعياد الموسمية وتسليعها، أو عن العمال والأجور، أو عن المرأة، أو عن الغذاء والملبس والمسكن وغيرها. وتستعمل الحجج نفسها عند مجابهتها بالمراوغة، العقل المتحجر أو الجمود العقائدي.
أما الخروج من هذا الحديث أو انتصار فكر على آخر يجب أن يُقيّم الفكر بذاته، أي: في الصراع العلمي للفكر نفسه، وإنجازاته وكيفية تطرقه إلى الحياة والناس فيها. ومن إنجازات المثالية، تشييء الحياة بأكملها، من الإنسان إلى علاقته مع محيطه، إلى مشاعره، وحاجاته. ومنها أيضاً: الاحتباس الحراري، حربان عالميتان، وحروب في أغلب العالم، تدمير لعدة دول، سرقة حضارات وثقافات العديد من الشعوب وعرضها في متاحف لندن وباريس وغيرها، والارتفاع في الأمراض الجسدية والنفسية، والارتفاع في نسبة الاغتراب عن الواقع والمحيط. من إنجازاتها تحويل الإنسان إلى رقمٍ في معادلة الربح والإنتاج، وتحويل أزمة تغرّبه وهمومه إلى سبب ضعفه هو، وإعاطاؤه مسكنات مؤقتة أو ما يلهيه عن المشكلة الأساس، وهي فقدان قيمته وفقدان سبب للحياة.
أما من إنجازات أرقى أشكال المادية وأكثرها نضجاً، الماركسية: وهي طرح نظام اجتماعي جديد، يخرج الإنسان من اغترابه، ويجعله المسيطر على حاضره ومستقبله، الآلاف من الإنتاجات العلمية التي لا زالت أساس في العلوم إلى اليوم، وجعل الإنسان القيمة الأساس والأهم في معادلة الحياة، وفي معادلة السياسة والاقتصاد والاجتماع. وكسر وهم السيطرة المؤقتة على الحياة إلى سيطرة حقيقية عبر دمج الشعوب في تقرير مصيرها وفي انتمائها إلى الحياة عامة.
ومن ثم أخذ موقع في هذا الصراع يعني أخذ موقف من الحياة، وأخذ موقف من أيهما الأسبق المادة أو الوعي؟ وهذا ليس بسؤال صعب، يمكن الإجابة عنه من خلال حياتنا اليومية، فنحن نتعلم الأشياء كافة في الحياة مع تقدمنا في العمر، أي: أنها لم تكن موجودة سابقاً في وعينا، بل نكتسب معناها مع وجودها وضرورة استعمالها.
وهذا يجب أن ينطبق على كيفية متابعة الحياة، أي: أننا اليوم نعيش أوضاعاً صعبة إن كان من الحروب إلى الوضع الاقتصادي إلى الاحتباس الحراري إلى التلوث، كيف سنستمر في هذه الحياة. هل سنهاجر كلنا إلى أراضٍ أخرى، هل هذا معقول عملياً؟ أم أننا سنستعيد السيطرة على حياتنا، ونغلب فكر على آخر في هذا. خاصة أن اليوم الفكر الغالب هو للمثالية، والوضع الراهن هو من نتائجها، والإفلات من القدرة على السيطرة هو ما نتجت عنه، في تغيب البشر في نفس الدوامات التي حين تجد تقدماً لها يضربها من جديد لتستمر من نفس الدائرة.