لا يمكن اختصار الحب بالجينات
منذ أن تمكن العلم من تفكيك الشيفرة الجينية للإنسان (عام 2000)، احتل علم الجينات مكاناً له في أغلب الأبحاث العلمية_ البيولوجية، أو الاجتماعية. وأصبحت الأسباب الجينية ملصقة باأي مرض، أو اضطراب، حتى أن قضية: الطبيعة (بالدلالة إلى الجينات الوراثية) أم البيئة_ التربية تسيطر على إدراك وشخصيات الأفراد، ولا تزال تعدّ إلى الآن من المواضيع غير المحسومة في علم النفس.
لكي نلتقي بشريك الأحلام
تقوم عدة مواقع للمواعدة، مستغلة «الحق المطلق للعلوم»_ أيّ كانت النظرية والآلية_ بإدراج الجينات المتعلقة بجهاز المناعة، في شروط إيجاد شريك الأحلام. وتستند هذه المواقع على دراسة أجريت في السبعينات، على ارتباط الجينات المتعلقة بجهاز المناعة، وكيفية انتقاء الشريك عند الفئران. وقد وجدت هذه الدراسة التي أجريت في السبعينات، أن الفئران تنجذب إلى الشريك الذي يمتلك جينات جهاز مناعة مختلفة عنها. لذلك استخلصت هذه المواقع: أننا إن تمكنا من معرفة الجينات المتعلقة بجهاز المناعة، سنجد نصفنا الآخر ونعيش حياة سعيدة إلى الأبد. في المقلب الآخر ينقسم العلم السائد بين مؤيد ورافض لفرضية الحب، من خلال تطابق الجينات. فيؤكد العلم السائد: أن لا أرضية علمية لما تفترضه هذه المواقع، وكونه مستنداً على دراسة، لا يعني أننا ننجذب بحسب جهاز المناعة. بينما يؤكد بعض أطرافه: أن هذه المواقع التي يترأسها علماء، قد تشكل حجر أساس لمعرفة لغز لأي من الأشخاص ننجذب؟
وفي استخدام آخر للجينات، تقوم عدة شركات بربط الجينات بالسمنة الزائدة. فبحسب هذه الشركات: أنه يمكننا معرفة أي نظام غذائي صحي لنا_ ولا يسبب سمنة زائدة_ من خلال جيناتنا. تقوم هذه الشركات كما تزعم بتحليل بعض الجينات لكي ترى أيهم يجب اتباعه، حمية قليلة الدهون، أو حمية قليلة النشويات. هذه أيضاً لا أرضية علمية لها، وقد أجريت دراسات لتناقض أي علاقة بين الجينات، وكيفية خسارة الوزن.
الأسطورة والحقيقة
حول الجينات
من المهم أن نعلم، أنه إلى اليوم لا نملك معرفة واسعة حول الجينات وطريقة عملها. ولصق العامل الجيني في أغلب الأمراض والاضطرابات_ إن لم يكن جميعها_ هو لإبقاء نافذة للخطأ العلمي، واسع الانتشار في العلم السائد. وأيضاً مرتبط بتعريف الطفرات الجينية، ما سببها وماذا تعني. ومن المهم أيضاً أن نعلم أنه لا يمكننا معرفة أي من الأطعمة مفيد لنا من خلال جيناتنا، ولا يوجد أي ربط بين جهاز المناعة، ومن نحب. إنما ربط الجينات بالانجذاب والتخلص من الوزن السائد، له ارتباط بحاجة السوق إلى «دليل علمي» ليستهلك منتجات الشركات المسوقة. بينما لم نسمع أي ضجيج حول التعريفات العلمية الخاطئة، التي تروج باسم العلم، إمّا في هذه المواقع والشركات، أو حتى عبر منصات أبسط مثل: التشويهات العلمية التي تبثها ديزني من خلال الرسوم المتحركة.
يقول أحد مؤسسي شركات المواعدة (Pheramones) «لا نريد أن نكون حراس العلوم، بل نريد أن يتمكن الناس من ربط العلوم في حياتهم اليومية». ربط العلوم بالحياة اليومية بالنسبة للعلم السائد، هو: استغلال مواقع ضعف الإنسان وما يسبب له الوحدة، العزل، والاغتراب. فبدلاً من اعتراف النظام الرأسمالي، أنه أمام مشكلة اجتماعية، يقوم باستغلال العلم في طمس أصل المشكلة. ويسمح لأبواقه بالتحدث باسم العلم، وتسطيح المفاهيم حوله، حتى تلجأ هذه الأبواق إلى التسويق، لإيجابيات أن تكون بلا شريك، وإيجابيات أن تكون وحيداً. وقد نسأل ما هو العائق في إيجاد شريك، إن كنا جميعاً نعيش في مجتمع واحد، أي إن كانت أرضية الجميع هي النظام الرأسمالي؟ وما العائق في العيش من دون شريك، إن كان شعار النظام الرأسمالي هو: الحرية الفردية؟ العائق ليس فيما هو موجود، بل فيما هو غير موجود، والعائق الحقيقي أيضاً في تعريف العلاقات، وما الذي يجذبنا إلى أي شخص آخر. فصراع أي من التربية، أو البيئة يؤثر أكثر في بناء وعينا وشخصيتنا في علم النفس، غير مفصول عن العلوم الأخرى، فربط العوامل الجينية في الانجذاب يجد ركيزته في غلبة الطبيعة على التربية_ المجتمع، وهنا الطبيعة تعني تركيبتنا الجينية التي ورثناها، وليس دور المحيط الاجتماعي. إن هذا العلم يقول مجدداً: إن انجذابنا إلى الآخرين غير مرتبط بوعينا ووعيهم، بل مرتبط بتركيبة جينية قد ورثناها، فنحن لا نملك أي خيار في من نحب أو في من لا نحب، كونه مرتبط بما ورثناه. مثلما لا نملك خياراً في النظام الغذائي، فالسمنة الزائدة المرتفعة في الولايات المتحدة، ليست بسبب الأكل السريع ونمط الحياة ككل.
المشكلة لا تقف في تحريف للعلوم، واستغلال الناس من خلال هذه التحريفات فقط، بل أيضاً في تثبيت الوحدة والاغتراب الذي يعيشه معظم الأفراد في المجتمع الرأسمالي. والتعمية على كيفية خروجنا من هذه الوحدة، التي يتستر بعضها في دولنا في «ضرورة» الزواج بأي ثمن والانجاب مثلاً.
هل يمكننا أن ننهي الوحدة إذا لم نغير مفهوم العلاقات وأرضيتها؟ وهل يمكننا نقض تحريف العلوم إن لم نقدم تعريفاً صحيحاً، وإن لم نثبتها بأبحاث واستنادات لأرضية بحثية؟ لا يمكننا، حسب ما ثبتته الـ»لا خلاصة» العلم السائد نفسه، مما أفسح لنا المجال بالانتقال إلى الخطوة التالية، البدء بتغيير مفهوم العلاقات وأرضيتها، وتقديم تعريف صحيح للعلوم.