كيف السّبيل الى التّوازن النّفسي اليوم؟
المحللة النفسية:  د. مرسلينا شعبان حسن المحللة النفسية:  د. مرسلينا شعبان حسن

كيف السّبيل الى التّوازن النّفسي اليوم؟

الناس جميعهم بلا استثناء يرغبون في السّلام والسّعادة والتّوازن والصّحة، ولكن عندما نعرف أن ثلاثة أرباع النّاس، خائفون وعدوانيون وعصبيون، وعصابيون ومنهكون، لأدركنا أن من الواجب إعادة النّظر في بعض المفاهيم والأفكار حول السّعادة وجودة الحياة، هل تُمنح أو لا تُمنح؟ أو ينبغي العمل عليها في برامج ودورات تخصصية تتاح لكل فرد يجد التّعب في نفسه، ويحتاج إلى المؤازرة وطلب الاستشفاء.

إذا كان أحدنا لديه إمكانيات ذهنية كبيرة، ولا يستعمل اإاّ جزءاً قليلاً منها، فهل هذا الأمر سوي؟  وإذا كان أحدنا غير واعٍ في الجزء الأكبر لذاته؟ هل هذا الحال مقبول؟ وفي حال أن النّاس يعيشون ضروب الكبت والعقد التي تدفعهم إلى الحياة بصورة رئيسية، فهل ذلك أمر سوي؟ 

سأبد من الإجابة عن السّؤال الأخير لأقول: إن عيش المكبوتات يشكل خسارة كبرى لطاقات الإنسان وقدراته، وضياعاً لأيامه التي كان من الممكن، لو تحرر من الكبت لعاشها بصورة أكثر إنتاجية وسعادة.

عطالة من النّاحية الذّهنية

إذا كنا في عطالة من النّاحية الذّهنية، فستكون أفعالنا التي تثيرها أفعال العطالة تعاش في الحياة بآلية لاشعورية. 

فكم من حركة شعورية يقوم بها الإنسان مقابل ملايين الحركات اللاشعورية؟ 

إنه بتغيير الشّروط المحيطة بظرفنا الحياتي يستلزم منا ذلك، أن نتغير نحن أنفسنا، فكل ما نفعله ذو أهمية بالغة، وكل عمل من أعمالنا ذو صلة بنا وبالآخرين.

فهل يتصور الإنسان نفسه واعياً؟ في هذا الحال يعني ذلك الكمال الإنساني للوجود، بأن كل شيء تحت سيطرة الإدراك.

  ولكن الشّعور كالإرادة يتطلب تنظيفاً داخلياً وتعلماً، فإذا كان الشّعور كاملا فإنه يتطلب شروطاً كاملةً، إنه يقتضي التّوازن والتّماسك قبل كل شيء، والإنسان غير المتماسك داخلياً هو إنسان يبدو كإنسان آلي.

تتالي الصّدمات والخيبات

إن الإنسان اليوم في بلدان كثيرة، ومنها بلادنا نتيجة لتتالي الصّدمات والخيبات التي يتعرض لها، معرض لخطر أن يصبح آلة بلا أحاسيس، جسد بلا روح وارتكاس شعوري يقظ.

إن من أهم أذيات وأعراض الصّدمة النّفسية الموصوفة منهجياً، يتصدر عرض تبلد المشاعر والجمود الانفعالي، وفي حال إن كانت انفعالات الإنسان آلية، فعلينا ألا نتوقع منه إبداعاً في الشّعر، أو الموسيقى أو العلم، ولا نرجو منه إحساساً وفعالية في التّفاعل اليومي مع من يقاسمه ساعات يومه.

لكي تُغيّر الظروف عليك ان تفهمها

بمقدور الإنسان أن يكف عن أن يصبح آلة، من خلال معرفته لدواخل نفسه ومكامن قوته في مواجهة نقاط ضعفه وعجزه، فإن كان الإنسان اليوم يعمل وعمله يستغرق زمناً طويلاً إلى حد بعيد، يصبح تماهيه مع عمله له الغلبة على تفاعله الاجتماعي والروحي مع ميوله واهتماماته التي يفضلها، من حيث أن عمل الإنسان المعاصر اليوم يستهلك جلّ وقته.  هناك حقيقة نفسية تشير إلى أن الإنسان لكي يُغيّر الظروف عليه أن يفهم هذه الظّروف أولا، فقد يكون لدى الكثير من النّاس تصورات خاطئة أو مشوهة حول نفسه وحول المحيطين به وتجاه الأحداث المؤثرة على مسار مستقبله، وهذه التّصورات بالتالي منوطة بالأنا الخاصة لكل منا بما تعكسه عليها من آثار سلبية كبرت أم صغرت، لكن حل المشكلة منوط بالأنا الجماعية، التي يمكنها أن تقوم بدور وظيفي فعال.

قواعد خاطئة

فالأنا الواضحة الخالية من التعقيدات، تدرك الأمور بطريقة واضحة شاملة، والأنا المشوهة لا يمكن لها فهمها إلا بطريقة مشوهة، لذا يصبح لزوم الأمر، أن نتحرر من تصوراتنا الخاطئة حتى نحقق الفهم، وإلّا فإن المعارف الجديدة في حياتنا ستبنى على قواعد خاطئة.

أحيانا كثيرة يكون الطبع هو الطّريقة التي نستجيب بها للظّروف، ويحدد هذا الطبع سلوكنا في العلاقات الاجتماعية، واستعداداتنا العاطفية وقيمنا الوجدانية الغالبة على أعمالنا وتواصلاتنا، من حيث أن الطباع الإنسانية مرهونة بالعادات التّربوية التي تشكل أمزجتنا العصبية واستعداداتنا النّفسية.

توقف عن التّطور

إن غالبية المخاوف والصّراعات الدّاخلية تخلق لدى الإنسان توقفاً عن التّطور، ولكن الإنسان المتوازن المنسجم مع ذاته وواعٍ لأناه المتميزة، فسيكون بالطبع يقظاً بصورة دائمة، حيث يستطيع أن يعطي إجابة عن كل مسألة تطرحها الحياة في حدود إمكاناته الواقعية وفهمه للواقع المعاش، لذلك فإن تجاوب الإنسان مع الأحداث التي تفرض نفسها، ويكون مستعداً لأن يقدم دائما تطوراً متزامن تزامنا تاماً مع الظّروف.

 هنا تكون الإرادة بمثابة الانسجام القوي تجاه مواجهة الظّروف الاستثنائية، وليست الإرادة التي تشير إلى انقسام أو تشنج للقوى النّفسية. بل الإرادة تجسد القوة النّفسية المتوافقة مع أداء الجسد، وتبعاً لذلك ليس ثمة حريّة مادامت توجد ضروب من القسر الدّاخلي وتتجسد غالباً في الإرادة الجمعية القادرة على فعل الكثير.

آليات الكبت الذّهني والوجداني

 من المؤكد أن المكبوت جنسيّاً على سبيل المثال، غير حرّ من الناحية الدّاخلية ، مادامت ضروب  الكبت هي الفاعلة والمهيمنة على معاشه اليومي في سكينته وسكونه مع ذاته ومع المقربين له ، وكذلك في استغراقه المهني ، والحال ليس بأفضل حال ، وفي ظل الكبت لحرية الرأي تصبح الأمور ليس جيدة ، وأن المكبوت ثقافياً وسياسياً لن يكون أفضل حالاً وبالتالي الأفق الفكرية والخطط التي نتطلع إليها لن تكون خلاقة ومعبرة عن آمالنا لأنها وليدة الخوف المقنع عبر آليات الكبت الذّهني والكبت الوجداني الخاصتين الأبهى(الذهن والوجدان) للحضور الإنساني.. هاتين السّمتين الإنسانتين اللتين تضفيان على حياتنا البريق والسّعي المتواصل نحو تحدي الصّعاب لبلوغ السّعادة، واللتان تدللان على استغلال كافة إمكانيات الأفراد وطاقاتهم العاطفية وإدراكهم لمكانتهم السّوسيومترية وفقا للنّسق القيمي والثّقافي الخاصة بكل مجتمع.