وجدتها: عن البساطة

يعتبر كتاب كارل بوبر «منطق البحث العلمي» واحداً من أمهات الكتب التي اعتمد عليها الباحثون في القرن العشرين.

ومازال مفعول هذا الكتاب في نسخه العشر ماثلاً حتى اليوم.

يتحدث بوبر عن البساطة، فيقول: «يقال على سبيل المثال عن عرضين لبرهان رياضي، إن أحدهما أبسط أو (ألبق) من الآخر، لا يعني هذا التفرق بين العرضين، نظرية المعرفة، ويتسم بطابع جمالي براغماتي خارج عن نطاق المنطق، وينطبق الشيء نفسه على القول عن تنفيذ مهمة بوسائل أبسط من وسائل تنفيذ مهمة أخرى، فالمقصود هنا وسائل أسهل أو تتطلب معرفة وخبرة أقل، يجب حذف كلمة بسيط في كل هذه الحالات لأن استعمالها خارج عن المنطق.

هل بقي شيء في مفهوم البساطة بعد أن استعملنا المفهوم الجمالي- البراغماتي؟ هل يوجد لهذا المفهوم مدلول منطقي؟ وهل أمكن في هذه الحالة التمييز بين النظريات غير المتكافئة منطقياً وفق درجة بساطتها.

يمكن الشك في المقدرة في الإجابة عن هذه الأسئلة، نظراً لتعثر محاولات عديدة لإعطاء تعريف ثابت للبساطة، ويعطي «شليك» إجابة سلبية حين يقول: إن البساطة مفهوم نصفه براغماتي ونصفه جمالي، رغم أنه يتحدث هنا عن المفهوم الذي يهمنا والمتعلق بما نسميه نظرية البساطة في نظرية المعرفة، إذ أنه يضيف(وبما أننا لا نملك القدرة على القول بالتحديد ما تعنيه كلمة البساطة فمن واجبنا تسجيل هذا الواقع، وهو أنه ما أن ينجح الباحث في تمثيل سلسلة أرصاده في صيغة بسيطة جداً -خطية مثلاً- أو من الدرجة الثانية أو تتابع أسيّ حتى يقتنع اقتناعاً تاماً أنه اكتشف قانوناً)»

 

إن تمجيد البساطة مرض من أمراض المجتمع العلمي الذي لا يستطيع التعمق في مجريات العلوم الحقيقية، إن الأبعاد المتعددة لأية قضية علمية تجعلها بعيدة كل البعد عن البساطة. إن البساطة في هذه المجتمعات العلمية تعني عدم الرغبة في التعمق في القضايا العلمية، والرغبة في البقاء ملامسين للسطح الرقيق للقضايا العلمية، بعيداً عن كل ما لا يمكن تفسيره «ببساطة» للجمهور العريض من الناس، إن الشرح المبسط لا يعني بالحتمية بساطة القضية العلمية المطروحة، بل يعني مهارة في العرض فقط لا غير.