مستقبل.. للبيع..

مستقبل.. للبيع..

«نقدم لكم خدماتنا الجديدة والمميزة وبأسعار خيالية، احصل على شهادتك الجامعية المصدقة الخاصة بك خلال أيام، تتوفر لدينا الاختصاصات كافة من الجامعات السورية جميعها، تخلص من هموم وصعوبات الحصول على شهادتك حتى لو كنت خارج البلاد، خدماتنا متوفرة في عديد من دول اللجوء لتحصل على تقييمك الجامعي الجديد بكل سهولة ويسر»

يمكنك رؤية هذا الإعلان على إحدى صفحات «الأسواق الالكترونية» على موقع الفيسبوك، ربما ستجدها بين ما يعرضه أحدهم من أثاث مستعمل وما يطلبه آخر من غرفة للإيجار، لكن الإقبال على مثل تلك «المنتجات» هو ما سيثير اهتمامك بالفعل، ستجد بالتأكيد بعض التعليقات اليائسة التي تدين هذا التزوير الفاقع تحت ضوء الشمس، لكن مثل هذه الأمور تحدث، وبكثرة، حتى بلغ تأثيرها حملة الشهادات الحقيقيين أيضاً، وسط عجز الجميع عن محاسبة المزورين أو حتى اتخاذ ما يلزم من إجراءات لقطع الطريق عليهم.

حالة الفوضى المتجددة

حظيت هذه التجارة بالكثير من الدعم خلال السنين القليلة الماضية، فقدت الكثير من الوثائق الرسمية والاختام الحكومية في العديد من مناطق التوتر، كما ضاعت الكثير من الشهادات الجامعية الأصلية، وفقدت العديد من الوثائق الرسمية الشخصية بعد خروج العديد من الناس من منازلهم بشكل قسري أو اضطراري، ساهمت حالة الفوضى المتجددة إلى ابتكار حلول عشوائية سمحت للعديد من تجار الأزمات باستغلال حاجات الناس، لم يعد الشاب اللاجئ إلى إحدى دول الجوار قادراً على إيجاد العمل المناسب ما دام مجرداً من أية وثيقة رسمية تثبت حصوله على أي مؤهل تعليمي، وسيضطر إلى دفع مائة دولار أمريكي أو ما يعادلها للحصول على شهادة «شبه رسمية» قد توفر عليه الكثير من الجهد، قد تصل الأسعار إلى مئات الدولارات بتنوع الفروع العلمية وجودة التزوير، فبدأ «سماسرة» هذه التجارة المزدهرة بتكديس الكثير من الأرباح، وأغرقت السوق بالشهادات دون وجود آلية مثبتة للتحقق من صحتها.

سلسة معقدة من الوسطاء والسماسرة

لا يظهر المزورون الحقيقيون أمام الناس على الإطلاق، حيث تتشكل سلسة معقدة من الوسطاء والسماسرة تلتقي بالزبائن في أماكن مختلفة، يحرص الجميع على عدم افتضاح الأمر، بينما تتم عملية تبادل الأموال بالأوراق بكل سهولة ويسر في المقاهي أو الحدائق العامة، يعمد المزور إلى تذكير زبونه بأن تلك الأوراق غير مضمونة على الإطلاق، ولا يستطيع أن يلومه في يوم من الأيام إن افتضح أمرها، لكنه يشيد على الدوام بقدرة «بضاعته» على الصمود بالمقارنة مع بضاعة منافسيه، فعملية التزوير في الأساس سهلة للغاية هذه الأيام، حيث يستطيع أي مصمم رسوميات ماهر شراء طابعة جيدة بالسعر المناسب ليبدأ العمل على «إنتاج» ما يلزم من الأوراق، وخاصة مع خلو معظم الأختام الرسمية والأوراق المستخدمة في إصدار الشهادات من أية علامات فارقة أو كاشفة للتزوير، وتوافر «الدمغات» و«النتوءات» التي كانت تستخدم لخلق العلامات المميزة  في الكثير من الطابعات المتخصصة، كما يتم يومياً طباعة آلاف من تلك الوثائق في المطابع الرسمية دون أن يتم التدقيق في كمياتها أو حتى التحقق من حفظها بشكل سري وآمن، فيقع أحد النماذج في الأيدي الخاطئة لتبدأ عملية طباعة النسخ بكل سهولة.

معظمهم يعمل من خارج البلاد

بدأت المشكلة تأخذ بعداً آخر مع إعلان موقع webometrics المتخصص بتصنيف الجامعات حول العالم عن تراجع ترتيب جامعة دمشق عالميّاً من 3400 في منتصف عام 2012 إلى 5070 في عام 2014، ويعود «الفضل» في ذلك بالطبع لانتشار الشهادات المزورة التي خفضت من قيمة الشهادة الأصلية أساساً، كما ذهبت بعض الجامعات الأوروبية  إلى حدود أبعد رافضة المتقدمين جميعهم من حملة الشهادات في عام 2011 وما يليه، بينما تواجه الأجهزة الحكومية المحلية صعوبة بالغة في كشف وملاحقة المزورين بعد أن تبين أن معظمهم يعمل من خارج البلاد، لكن اللائمة تلاحقهم لتباطئهم في مواكبة إجراءات حماية الوثائق من التزوير منذ عدة سنين، خاصة مع الإعلان المتأخر عن نية وضع خطة لمواجهة تلك الحالات وتطبيقها بالسرعة الممكنة على أرض الواقع، ربما سيتم تطبيق هذا كله في الوقت الذي يستطيع فيه رجل خمسيني في مكان ما من هذا العالم الحصول على خمس شهادات هندسة باختصاصات مختلفة وربما سيحصل على عرض خاص أو تخفيض على الأسعار!