العلوم تضيق ببنيتها على أساس أزمة الرأسمالية استعادة الفكر الثوري للمبادرة العلمية والثقافية 2/ 2
بعد تحول المعاناة المعنوية (النفسية) إلى معاناة شعبية عامة في المجتمعات بشكل عام، خلال التطور التاريخي الحاصل خلال المنتصف الثاني من القرن الماضي، فلم تعد محصورة بالطبقات الميسورة كما ظهرت في بداية القرن العشرين.
مع بروز تيار «التحليل النفسي»، أصبح هذا العلم مجبراً تاريخياً على التصدي للظواهر التي يطرحها الواقع، ولكن لأن الأسئلة على المستوى النفسي هي أكثر تحديداً ومباشرةً، فإن هذا العلم مكبوح عن تأدية دوره في تبرير الواقع، وتحديداً في مجتمعاتنا التابعة الأكثر تعبيراً عن أزمة الرأسمالية في عجزها عن استيعاب تناقضاتها.
تكثف المعاناة
الفردية بشكل سرطان
تتكثف المعاناة الفردية في جانبها المعنوي دون قدرة الأيديولوجية البورجوازية على تبريرها، بل تحاول ذلك من خلال استعادة مختلف التيارات المثالية الغيبية المُنتَجة تاريخيا،ً وإكساءها الطابع العلمي، والتي لا تملك أي قدرة على الصمود واقعياً، بالرغم من التكاثر الفطري للمذاهب والمقولات «النفسية» عبر أداوت الدعاية والإعلام والتعليم والبحث وفي الفكر اليومي، في محاولة لاستيعاب ما تنتجه المعاناة النفسية من شبه تعطل حركة الأفراد في علاقتهم مع واقعهم والأمراض الجسدية التي تنتجها هذه المعاناة؛ ألم يعتبر النفساني العربي «سامي علي»، كما اعتبر فيلهلم رايش من قبله أن السرطان هو من أبرز أمراض المجتمع الراهن، أي الرأسمالية في شكلها القائم، نتيجة «السد العلائقي» مع الواقع كما يسميه «علي»، أو «الدراع» كما يسميها «رايش»، وهو ما يفجر طاقة الفرد في داخله من خلال السرطان.
هذا بالرغم من الانفجار الذي تشهده المنطقة العربية والعديد من دول العالم لكنه سيكون المهمة المطروحة بقوة في التصدي للتناقضات الاجتماعية القائمة، خلال استعادة الصراع لشكله السياسي، ضد العسكرة واشعال الحروب التي تقوده الولايات المتحدة الاميركية، وتمارسه قوى لا تتوافق مصالحها مع الحلول السياسية.
استعادة الصراع
تطرح مهمة استعادة الصراع على المستوى العلمي وعلى الجبهة الأيديولوجية، في جانب العلوم الإنسانية بشكل مباشر، وعلوم الصحة والسياسات الصحية، وعلى المستوى الثقافي بالضرورة، بعد أن فقدت الرأسمالية قدرتها على إدارة الحياة الثقافية، وبعد فقدان المبادرة الناجم عن أزمتها والتناقضات التي أثبتت عدم صوابية الطروحات الرأسمالية عملياً بشكليها الليبرالي والأصولي.
مقاومة محاولات أنسنة العلوم
تُجبر الأطراف «العلمية» العالمية على محاولة تبني مقولات أقرب إلى الماركسية، في محاولتها الخروج من التناقضات التي تحكم مناهجها البورجوازية، دون أن تتبنى التبعات العملية لهذه المقولات التي تحاول تضمينها في أدبياتها، وهو ما يظهر بشكل جلي في مقاومة محاولات العلوم البيئية أنسنة العلوم، من خلال دفعها إلى التخلي عن احتضان الإنسان والطبيعة، كحاضن أساسي وغاية نهائية لهذه العلوم، وكفكر بديل يتقدم على كل المستويات، مثبتاً قدرات الفكر العلمي المادي التاريخي على أن يجيب عن الأسئلة الإنسانية في بعدها الراهن والتاريخي.
المنابر الإعلامية البديلة
إن الميل المتزايد الواضح لتبني المزيد والمزيد من الأوساط العلمية للفكر والسياسة التي تخدم الغالبية العظمى من الناس، يصبح أكثر وضوحاً يوماً بعد يوم ولم يعد يأخذ مجالاً خجولاً، كما تتزايد المنابر الإعلامية «البديلة» التي تتبنى هذه الطروحات، التي لم تكن مقبولة قبل ذلك ولا بأي شكل من الأشكال في الإعلام الرأسمالي المبرمج والمراقب، حتى آخر حرف فيه لخدمة مموليه.