هل بات اكتشاف أصل الحياة قريباً؟

هل بات اكتشاف أصل الحياة قريباً؟

تعد قضية التعرف على أصل الحياة وكيفية تكونها، من أكثر الأمور تعقيداً إلى الآن، وأشدها جذباً للعلماء والباحثين، من شتّى الجامعات والمراكز البحثية حول العالم، وتوالت الدراسات والأبحاث حول هذا الموضوع، وهناك عشرات المختبرات حول العالم تعمل كل يوم بكامل طاقتها حيال هذه القضية، والنتائج الأولية لهذه الأبحاث تقول أن حلّ هذا اللغز بات وشيكاً.

نشرت في آذار 2015 مقالة علمية للباحث والكاتب الدكتور روبرت سيرفيس، بعنوان «قد يحل الباحثون لغز أصل الحياة»، وهو ما نحن بصدد الحديث عنه الآن.

مجموعة من التناقضات

إن أصل الحياة في الواقع، هو مجموعة من التناقضات، فمن أجل بدء الحياة، من المهم توافر الجزيئات الجينية، DNA أو RNA، القادرة على صنع البروتين، حيث يعد البروتين بمثابة العمود الفقري للحياة، على العكس، فإن الخلايا الحديثة لا يمكنها نسخ DNA أو RNA من دون مساعدة البروتين، ولجعل الأمور أكثر إرباكاً، فإن أياً من هذه الجزيئات يمكن أن تقوم بوظائفها، دون مساعدة المواد الدهنية، والتي توفر الأغشية التي تحتاجها الخلايا لربط محتوياتها في الداخل، وفصل بعض محتوياتها عن الأخرى، إلا أن هناك حاجة إلى الإنزيمات البروتينية المشفرة بواسطة تلك الجزيئات لتصنيع الدهون.

زوج من المركبات البسيطة

وأضاف روبرت «يقول الباحثون انهم قد حلّوا تلك المفارقات. فيعتقد الكيمائيون اليوم أن زوجاً من المركبات البسيطة، والتي كانت وفيرة على الأرض في وقت مبكر، يمكن أن تؤدي إلى شبكة من التفاعلات البسيطة التي تنتج الطبقات الثلاث الرئيسية من الجزيئات الحيوية- الأحماض النووية، والأحماض الأمينية، والدهون اللازمة لتكوين الشكل الأولي لبدء الحياة»

على الرغم من أن العمل الجديد لا يثبت أن هذه هي الطريقة التي بدأت بها الحياة، فإنه قد يساعد في نهاية المطاف على شرح واحدة من أعمق الأسرار في العلم الحديث. 

الحساء البدائي

وفى السياق نفسه، فقد أشار فريق الكيميائيين بقيادة جون ساذرلاند في جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة، أنهم اكتشفوا أن مركبات بسيطة نسبياً هي الأسيتيلين والفورمالدهايد يمكن أن تخضع لسلسلة من التفاعلات لإنتاج جزيئين من RNA لبناء أربع كتل من النوكليوتيدات، مما يدل على الطريقة المعقولة لكيفية تشكل جزيئات RNA من تلقاء نفسها، من دون الحاجة إلى الإنزيمات في الحساء البدائي «مكونات الحياة».

ورغم ذلك، أشار جون إلى أن الأسيتيلين والفورمالدهايد ما تزال جزيئات معقدة إلى حد ما، وهذا يجب أن يثير تساؤلا آخر .. من أين أتت تلك الجزيئات ؟

مجموعة واحدة من التفاعلات

تعين على ساذرلاند وزملائه العودة للعمل على تلك المواد الكيميائية لمعرفة ما إاذا كان يمكن أن توجد طريقة لتصنيع RNA من أبسط المواد الأولية، و بالفعل نجحوا ؛ هذا ما تضمنه العدد الحالي من مجلةNature Chemistry، وأفادت تقارير من فريق ساذرلاند بأنها قامت بتخليق أساسيات الحمض النووي مرورً ببعض التفاعلات الكيميائية، بدءاً من سيانيد الهيدروجين (HCN)، كبريتيد الهيدروجين (H2S)، والأشعة فوق البنفسجية (UV) .

يقول ساذرلاند بهذا الصدد: تقوم الظروف التي تنتج الحمض النووي أيضا بخلق المواد الأولية اللازمة لتصنيع الأحماض الأمينية الطبيعية والدهون. 

وقد أشار إلى أن وجود مجموعة واحدة من التفاعلات قد أدّت إلى تخليق العديد من لبنات بناء الحياة في وقت واحد.

أمطار المذنبات

ويرى فريق ساذرلاند أن الأرض كانت في وقت مبكر في وضع مؤاتٍ ومناسب لهذه التفاعلات.

سيانيد الهيدروجين، مركب متوافر بكثرة فى المذنبات، التي أمطرت الأرض بشكل مطرد منذ المئات الأول من ملايين السنين من تاريخها.

المذنبات من شأنها أيضاً أن تنتج تأثيرات طاقة كافية لتصنيع سيانيد الهيدروجين «HCN» من الهيدروجين، والكربون، والنيتروجين. 

وبشكل مماثل، يقول ساذرلاند، أنه كان يُعتقد أن H2S «كبريتيد الهيدروجين » كان شائعاً على الأرض في وقت مبكر، كما كانت توجد الأشعة فوق البنفسجية، حيث يمكن أن تدفع تفاعلات بعض المعادن، التي من الممكن أن تكون المحفز لتصنيع هذه المركبات.

سيناريو مثير لتساؤلات

يتسائل روبرت : هل يمكن أن تكون الحياة قد أوقدت في ذلك المُجمّع المشترك؟

من المؤكد أن كل هذه التفاصيل قد فقدت للأبد على مر التاريخ. لكن الفكرة، و-الكيمياء العقلانية- وراء ذلك، تستحق تفكيراً متأنياً، يقول ديمر. «هذا السيناريو العام يثير العديد من التساؤلات، وأنا واثق من أنه ستتم مناقشته لبعض الوقت حتى يتضح هذا الأمر.»

هل من محفزات معدنية؟

ينبه ساذرلاند على أن كل تفاعل من تفاعلات الكتل البنائية المختلفة تحتاج لنوع واحد من المحفزات المعدنية، حيث أنه من المرجح ألا يكون كل حدث قام بتكوين مكون من مكونات الحياة في نفس الموقع، ويتابع أيضاً: أنه يمكن أن يفضل إنشاء مجموعة واحدة من لبنات بناء على أخرى، مثل الأحماض الأمينية أو الدهون، لكن في أماكن مختلفة، «الحاصل أن مياه الأمطار جمعت هذه المركبات في مكان واحد، أو -مُجمّع مشترك -» كما قال ديف ديمر الباحث في أصل الحياة بجامعة كاليفورنيا.

عن صفحة «الفضائيون» بتصرف