هل أنت راض عن حياتك؟ جرب حياة «ثانية»

هل أنت راض عن حياتك؟ جرب حياة «ثانية»

طلع الصباح وحان وقت النهوض، ها هو فطورك اليومي يقدم إليك في السرير مع أشعة الصباح تخترق شباكك المطل على المحيط، لا داعي للعجلة، لا عمل لديك اليوم ولا حتى غداً، فأنت من أثرى أثرياء العالم وستقضي ساعات النهار تتصفح أخبار البورصة وأحوال أعمالك في كافة الأرجاء من غرفتك الجميلة هذه

ستقود سيارتك في المساء إلى أحد النوادي الصاخبة أو إلى دار السينما مع أصدقائك، حياتك خالية من الهموم والمشاكل تخط تفاصيلها كما ترغب، لكنك ستود فجأة النهوض للنوم بعد أن أرهقك النظر طويلاً في الشاشة أمامك، ستعود إلى الواقع بالتدريج وبكل تفاصيله القاسية، غرفة صغيرة، وطعام قليل، عمل مجهد ينتظر في الصباح، هذه هي الحياة ، وما انغمست فيه منذ قليل ما هو إلا «الحياة الثانية»..

نعم، إنها «الحياة الثانية»، اللعبة الحاسوبية الأكثر شهرة على الإطلاق منذ عقد من الزمن، وقد تبدو كلمة «لعبة» غير منصفة على الإطلاق لهذا الاختراع، لأنها ببساطة عالم آخر تمضي أيامه بالتوازي مع أيامنا، لكنه بقي محبوساً داخل الأجهزة الحاسوبية المتصلة عبر شبكة الانترنت، حيث سرقت هذه «اللعبة» الكثير من الأضواء وجمعت حولها الكثير من المتابعين، لتتحول خلال بضعة سنين إلى نظام حياتي متكامل يصيغه اللاعب كما يرغب في إطار ثلاثي الأبعاد متقمصاً الشخصية التي يرغب أينما وكيفما وحيثما يرغب، وليصل تأثيرها إلى الاقتصاد والفكر والسياسة في حياتنا التي نعرفها، ولتتسابق بنوك الأرض إلى فتح فروع داخلها تتعامل لعملات افتراضية أو حقيقية والسفارات لافتتاح مكاتب لها تنقل «اللاعبين» فيها إلى أجمل بقاع الأرض «الافتراضية»، جامعات ومكتبات ومراكز عملية بنيت داخلها لتتحول هذه «اللعبة» إلى حياة أخرى مليئة بالفرص والعقبات على حد سواء وفي كل المجالات التي يمكن أن تخطر ببال أي منا.
يدعي اللاعبون في «الحياة الثانية» لتجربة بناء شخصية جديدة لكل منهم يطلق عليها اسم «الساكن»، ثم يحدد كل منهم مجالا ابتدائياً للعمل أو السكن يحتمل التطور والترقي وقفاً للمجهود الذي سيبذله هذا «الساكن»، وتبدا تلك الشخصيات الافتراضية بالتفاعل مع بعضها ومع الكائنات الأخرى التي تحويها هذه اللعبة، كما أنهم يشاركون في التأثير على العالم من حولهم من خلال بعض الصلاحيات التي تمنحها لهم مستوياتهم في هذه اللعبة أو ما يملكونه من «ثروة افتراضية»، ويتم بناء مساكن جديدة أو بيع شقق مفروشة أو الاستثمار في مجال تجارة السيارات أو القطع الالكترونية، أو حتى نقل الأخبار وإذاعتها ومجالات التعليم والدراسة وارتياد الجامعات والمدارس، وصولاً لأدق تفاصيل الحياة الاجتماعية من صداقات وعلاقات غرامية وزواج وطلاق في إطار جامع مذهل في تعقيده.
كما تسمح هذه اللعبة لجميع اللاعبين بالعمل على تطوير الكثير من مرافقها وأجزائها وفق برمجيات خاصة يعمل على كتابتها كل لاعب، كما تقسم مناطق انتشار اللاعبين إلى مناطق «آمنة» و أخرى «خطرة» تسمح بهجوم اللاعبين على بعضهم وسلب ما أمكن من ممتلكات الأخرين، كما قد تقسم المناطق إلى أجزاء خاصة بالكبار عليها ما يرغب اللاعب من «الرذائل»، بالإضافة إلى توافر أقسام للشرطة و بعض المرافق الحكومية «الافتراضية» لتقديم الشكاوى حول ما قد تعانيه اللعبة من تجاوزات غير قانونية بحق أحد «السكان» أو للتحقيق في الجرائم التي يمكن أن ترتكب بحق أي منهم، ليشكل كل هذه وأكثر الفضاء المزيف الجذاب الزاخر بالفرص والإمكانات وليجمع أكثر من 50 مليون لاعب يتفاعلون يومياً حول كافة تفاصيل هذه «الحياة الثانية».
تبدو «الحياة الثانية» سبيلاً مقبولاً لمن ضاقت عليهم الأحوال ونفذت منهم الفرص في حياتهم، قد ينظر إليها البعض على أنها الطريقة الأمثل للعيش بعيداً عن سواد الواقع وتشاؤمه، والتي قد تبدو مغرية هذه الأيام، فـ«ما الضير من السفر بعيداً في الأحلام إلى عوالم جديدة لا حزن فيها ولا تعب؟» يسأل البعض، فيأتي الجواب قاسياً : «هل تثق بمن يبيعك الأوهام لتجلس ساعات مسمراً أمام الشاشة ضائعاً في عالمه الافتراضي؟ قم عن كرسيك هذا وانفض عنك هذا اليأس، اجعل من حياتك الأولى حلماً يستحق العمل لتحقيقه قبل أن تبحث عن «حياة ثانية»!!» .