المفكرون العرب ينتمون لثقافة يدّعون محاربتها
لم يتمكن العديد من المفكرين العرب الكبار من تفسير سبب التخلف في العالم العربي لسبب رئيسي وهو:
أن في العالم فلسفتين هما المادية والمثالية الميتافيزيقية .. ومعظم الأسماء الكبيرة تنتمي للنوع الثاني من المفكرين .. وأتباع المدرسة الميتافيزيقية (الغيبية) يعتقدون أن التطور أو التخلف مرتبط بالعقل أو بذهن الإنسان، لذلك يقومون بمحاكمة الإنسان وفقاً لسلوكه الذي أملاه عليه عقله، ويفسرون التطور والتخلف وفقا لهذه القاعدة، فيما ترى الفلسفة المادية أن كل ما يتشكل في ذهن الإنسان هو انعكاس للواقع خارج نطاق الذهن سواءٌ أدركه الذهن أم لم يدركه.
والواقع هو الذي يشكل الذهن ويحدد سلوكياته وليس الذهن هو الذي يحدد الواقع، مع أهمية التاكيد على الترابط بينهما، لهذا لا يمكن لأي تطور أن يحدث سواء في طبيعة الحكم أو في ثقافة أفراد المجتمع أو في منظومة القيم والأعراف السائدة في المجتمع إلا بالتناغم التام مع التطور في البنية التحتية التي عمادها نمط الإنتاج الاقتصادي، والتي تصنع وتحدد بدقة نمط ونوع وتفاصيل البنية الفوقية (الإدارة بكل أجزائها ومكوناتها) وتقرر مستوى الإدارك الذهني ومحتوياته وطرق تفكيره وطرق اتخاذه لقراراته.
مما يجعلني أعتقد أن الغالبية من المفكرين العرب هم مثاليون، ولهذا لم يتمكنوا من المساهمة بالانتقال من عصر الإقطاع السائد منذ ألفي سنة إلى عصر الصناعة والرأسمالية الذي يجبر البشرية على اعتناق منظومة قيم جديدة تتناسب واحتياجات نمط الإنتاج الصناعي وما يناسبه من منظومة القيم والأعراف والأفكار.