سلالة النحل السورية.. قيمة سورية مطلقة
تتنوع سلالات نحل العسل في العالم لتصل إلى 26 سلالة، وسلالة النحل السورية إحداها، وإن كان من الصعوبة بمكان القول بأن سلالة بعينها هي الأفضل، إلا أن ما لاشك فيه أن كل سلالة تتفوق في منطقتها
لأنها تكون الأكثر تأقلماً مع الظروف البيئية المحلية، والأكثر قدرة على مقاومة الأمراض، والتصدي للمفترسات المنتشرة في المنطقة، وسلالة النحلة السورية هي المنتشرة في كل أراضي سورية الطبيعية، هي ابنة منطقتنا ولها من الصفات ما يجعل الاعتماد عليها الأجدى اقتصادياً.
تناولت العديد من الأبحاث النحلة السورية، وقد تباينت في مستوى دقتها وعلميتها، ومع أن الدراسات على النحلة السورية قد بدأت منذ السبعينيات والثمانينيات، إلا أن النحلة السورية كثيراً ما أصيبت بالغبن، وتأتي اليوم العديد من الأبحاث لتصحح المفاهيم الخاطئة التي سوقت عن هذه السلالة من النحل.
فالنحلة السورية نحلة تتصف برشاقتها وحيويتها العالية، ولعل من الأمور اللافتة للنظر عنادها في بلوغ طلبها من الرحيق فهي تطير لمسافات بعيدة سعياً وراءه، كما تتميز بأنها تدافع عن مسكنها بقوة، ولا تمكن أعداءها الحيويين من سرقة عسلها أو حتى من الدخول إلى بيتها.
وخلافأ لما يشاع عن سلالة النحل السوري بأنه من أشرس النحل في العالم، نقرأ عن الباحث د.محمد البراقي بأن «الشراسة مفهوم نسبي، كما أن الحكم على سلالة ما بأنها شرسة يعني أن نحل هذه السلالة قد يلسع الإنسان حتى لو لم يقدم هذا الأخير على إيذاء الخلية، كالنحل الإفريقي مثلاً الذي يطاردك لعدة أمتار بعد ابتعادك عن مسكنه، أما النحل السوري فلا يمكن اعتباره - بهذا المعنى – نحلاً شرساً إنما مدافعاً عن مسكنه، فهو يقوم بالطيران حول خليته ولا يلسع إلا عند الاقتراب من المسكن»*
ويرى د. «البراقي» أن ما يسميه البعض شراسة عند النحل السوري هو صفة تكيفية مع البيئة التي يعيش فيها، ويوضح ذلك بقوله: «إن الظروف البيئية التي تعيش فيها النحلة السورية لا يمكن لنحلة أخرى أن تعيش فيها ، فهي ظروف صحراوية، ظروف جفاف وحرارة عالية، فعموماً هي أفضل سلالة يمكنها التأقلم هنا، وقد بينت التجربة أن خلية النحل الإيطالي- وهي سلالة نحل عسل معروفة بهدوئها الشديد- يمكن أن يتحول سلوكها لشرس عند تعرضها لظروف قاسية أو جوع ونقص في المرعى، فمثلاً في منحل كلية الزراعة بدمشق والذي يحوي نحلاً سورياً، يمكن للمختصين أن يقوموا بفحص الخلايا دون كفوف أو قناع واق في وقت توافر المرعى والطقس المعتدل دون التعرض للسع»
وعلى الرغم من أن صفة هدوء سلالة النحل صفة مرغوبة لدى النحالين، لأنها تسهل عملية جمع العسل من الخلية، إلا أن لتلك المقدرة لسلالة النحل السوري في الدفاع عن مسكنها قيمة اقتصادية أيضاً، ويقول الدكتور محمد البراقي بأن: «مفترسات النحل من العوامل التي تسبب انخفاض إنتاجية الخلية من العسل والمنتجات الأخرى، ومن أهم هذه المفترسات الدبور الشرقي المنتشر في منطقتنا بكثرة، ولا تستطيع أي نحلة سوى النحلة السورية أن تقاومه، وقد رأينا بالتجريب كيف عجز النحل الإيطالي عن مقاومة الدبور الشرقي الذي دخل مسكنها وسرق العسل وعاث فساداً في الخلية حتى كاد يقضي عليها»*
وجدير بالذكر أن الدكتور محمد البراقي قد أجرى بحثاً نال عليه درجة الدكتوراه بعنوان «دراسة التنوع الحيوي والوراثي لسلالة نحل العسل السوري باستخدام طرق جزيئية» هَدَفَ إلى «إجراء عملية مسح وتقييم لواقع القاعدة الوراثية للنحل الموجودة لدينا في سورية، ومعرفة فيما إذا كان النحل السوري قد تدهور وراثياً، وبالتالي المحافظة على أصل وراثي موجود في بلدنا، وتوثيقه خوفاً عليه من السرقة في عصر انتشرت فيه القرصنة البيولوجية وسرقة الأصول الوراثية»*.
الاقتباسات عن لقاء مع الدكتور محمد البراقي في موقع esyria