مجموعة واحدة.. (كابل) واحد..
لم تخف مجموعة دول «البريكس» الغاية الأهم من وجودها، وقد أعلنت منذ تأسيسها بشكل مباشر أو غير مباشر عن تشكيل جبهة اقتصادية موحدة تقف نداً عنيداً للهيمنة الأميركية على مقدرات العالم، ..
فلقد رأت الكثير من التجمعات الاقتصادية العالمية ملامح انهيار المنظومة الأميركية الامبريالية وقررت أن تعلن استقلالها عن منهج التجبر الأميركي بعد أن أصبح تخبطه جلياً للجميع، وبالتالي أصبح التحدي علنياً يستقطب تعاطف ودعم العديد من الدول وفي العديد من المجالات، لكن آخرها وأكثرها تميزاً هو إعلان مجموعة دول «البريكس» عن تأسيس أول تجمع شبكي معلوماتي مستقل عن السيطرة الأميركية في العالم
انطلق هذا الإعلان من البرازيل في منتصف الشهر الحالي، وقد حمل في طيات توقيت إعلانه الكثير من المعاني لأنها الأيام العصيبة على الأمن الرقمي الأميركي بعد فضيحة تسريبات وثائق وكالة الأمن القومي المتعلقة بخطط الإدارة الأميركية الخاصة بالتنصت على معلومات المستخدمين الرقمية، لكن السبب الأهم وراء هذا الإعلان هو تدفق الأخبار من مختصي الشبكات الحاسوبية حول وصول مشروع «كابل البريكس» الممتد من فلاديفوستوك في روسيا مرورا بالصين والهند وجنوب أفريقيا وصولا للبرازيل إلى مراحل تنفيذه الأخيرة ولن يمر وقت طويل على انطلاقة هذا المشروع بشكل كامل.
أثار هذا الإعلان زوابع إعلامية في الحال، وقفز العديد من المستثمرين لانتهاز الفرص الأولى في هذا المشروع العملاق الذي سيغير وجه شبكة الانترنت إلى الأبد، تلك الشبكة التي تشكل اليوم العمود الفقري لنشاطات الشركات العملاقة مهما كان مجال عملها وتعد النواة الأساسية في عمليات تبادل المعلومات بين مختلف أرجاء الأرض كما أنها تزيد التصاقها بمرور الأيام مع أدق تفاصيل حياتنا اليومية وتجعل من بياناتنا الشخصية أو المهنية جزءأ من دورة معلوماتية عالمية لا حدود لها، إنها تلك الشبكة التي ظلت لعقود تحت سيطرة الولايات المتحدة الأميركية والدائرة الضيقة من حلفائها تعمل يومياً على تحليل عقدها وفحص وارداتها وصادراتها عبر أدوات مادية وبرمجية هائلة القدرة والسعة بغية استخلاص ما تبتغي من أهداف معلوماتية في أكبر عملية سرقة رقمية في التاريخ.
وبالتالي فإن اكتمال هذه المشروع يعني ببساطة تحرر تلك الدول المشاركة فيه من عقد المراقبة الأوروبية والأميركية المنتشرة على امتداد خط نقل المعلومات السابق، تلك الدول التي ارتأت عدم التعليق على هذا المشروع العملاق بغية التستر على فضائح التنصت التي قامت وتقوم بها يوميا على مستخدميها، لذا لم يتردد الرئيس البرازيلي لحظة في التأخر عن هذا الإعلان الكبير وبالأخص بعد تسريب وثائق تتعلق بقيام وكالة الامن القومي الأميركي بالتنصت على هواتفه الشخصية، فترافق الإعلان عن مشروع «كابل البريكس» بإلغاء زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة الأميركية وطرح خطة محلية تضع حلولاً عاجلة تضمن الاستثمار المعلوماتي لخط نقل المعلومات الجديد هذا.
يبلغ طول الكابل الجديد هذا 34 ألف كم من الألياف الضوئية المزدوجة بسعة 12.8 تيرا بت من المعطيات في الثانية وهو قادر على تخديم 45 بالمائة من سكان العالم –عدد سكان تجمع «البريكس» - لأنه يصل بين روسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل دون أن يحرم الولايات المتحدة الأميركية من طرفه الآخر لكن بعد أن أحكمت بقية دول المجموعة سيطرتها عليه كما أنه يؤمن التكامل اللازم مع التشكيلات الشبكية الأقدم في آسيا وإفريقيا وأميركا الجنوبية لضمان وصول تلك البلدان إلى التشكيلة الشبكية الأكبر والوصول إلى تغطية شبه عالمية بما يخص شبكة الانترنت على أن يبدأ التشغيل الرسمي لهذا الخط في النصف الثاني من العام 2015، ليشكل هذا التاريخ إنجازاً تقنياً سياسياً اقتصادياً- اجتماعياً رائداً يعد بالكثير للقطب الصاعد الجديد ويضع الإدارة الاميركية أمام معضلة جديدة ستزيد من عدم استقرارها وتقربها خطوة جديدة نحو فناء دورها الإمبريالي العالمي.