«من يحمي صندوق الأسرار؟»
لدى كل منا صندوقه السري الخاص، إنه المكان المخفي الذي يحتفظ به بنتائج عمله أو خلاصات تجاربه، لكننا وفي الوقت نفسه نتصل بشكل أو بآخر بالفضاء الرقمي الواسع المفتوح على الملايين من الغرباء، وستكون «أسرارنا الرقمية» عرضة للاختراق مع تزايد التهديدات اليومية وتوسع نشاطاتنا المعتادة على الشبكة العنكبوتية العالمية، ولن تنفع كلمة المرور البسيطة في تجنيب «صندوقك » تلك المخاطر ،إنها قفل صغير في عالم لا حرمة فيه للأسرار..
أصبحت الكلمة السرية منذ زمن من أسهل وسائل وصول قراصنة الإنترنت، كما أن كثرة المواقع والأجهزة التي تحتاج إلى كلمات سرية لدخولها سببت مشكلة لدى الكثير من الأشخاص في حفظ كمّ هائل من الكلمات السرية، وقد بيّنت الإحصائيات أن 81% من الأشخاص يستخدمون كلمات معروفة وسهلة و 30% من الأشخاص يقومون بكتابة كلماتهم السريّة في ملفاتهم ليتم الرجوع إليها وقت الحاجة وبسبب الخسائر الكبيرة الناتجة عن هاتين المشكلتين التي يتعرض لها آلاف الأشخاص يومياً على مستوى العالم، اتجه العلماء إلى وسيلة أخرى أكثر أماناً وراحة للمستخدم، إلى وسيلة قديمة قدم الإنسان لكن تنفيذها تم بقالب عصري كلياً.
للوصول إلى فهم أكبر للمسألة دعونا نتمعن في «الطريقة البشرية» التي نميز ونصنف فيها أقراننا، فنحن نعرفهم بالنظر إلى وجوههم، وأحياناً نعرفهم من أصواتهم أو من طريقة كتابتهم، أو من طريقة حركتهم. كما أن «التفحص» كان الطريقة الوحيدة فيما مضى للتأكد من شخصية المسافرين الذين ينتقلون من بلد لآخر، والزوار الذين يحاولون دخول الأماكن الخاصة، أو التجار الذين يسحبون أموالاً من البنوك. بيد أن ذلك لم يعد واقعياً، بعد أن ازدادت حركة السفر الدولي، وظهرت الحاجة إلى تطبيق إجراءات الأمن في أماكن العمل، وبعد انتشار الصيرفة الإلكترونية، وغير ذلك من التغيرات الأخرى الكثيرة التي طرأت على حياتنا اليومية. لذا كان لا بد من تدخل الآلة التي تتضمن وحدة للتخزين تحتوي على عينات من بيانات القياسات الحيوية الخاصة بالأفراد بالإضافة لجهاز استشعار يستخلص بيانات القياسات الحيوية. عندها تجري مقارنة عينة البيانات المستخلصة بالبيانات المرجعية لتحديد مدى تطابقها، وبالتالي السماح للفرد بالوصول إلى مبتغاه.
الأمثلة على ذلك كثيرة، تتدرج في تعقيدها لتشمل الخصائص الحيوية كافة المميزة للفرد عن غيره، أشهرها بالطبع بصمة الإصبع، أو طبيعة الصوت، لكن العلم يفاجئنا يومياً بالجديد منها، لذا أصبح بالإمكان الاعتماد على بصمة قزحية العين أو شكل تجويف الأذن أو قياسات الرأس أو اليد وصولاً لقياس درجة حرارة الدم المتدفق في أوردة الوجه أو الأصابع! حيث لاقت هذه الطرق قبولاً واسعاً لأنها ببساطة تضمن بقاء المعلومات المحمية في أمان بسبب استحالة تطابق الميزات الحيوية بين الفرد والآخر.
على كلٍّ تشهد هذه التقنيات توسعاً كبيرا في طيف تطبيقاتها، ومع تحسن الأداء وتوافر المعدات بتكلفة أقل تم تجاوز مفهوم الحماية التقليدية والدخول في مجال خدمات التجارة الإلكترونية، والصحة الإلكترونية، والحكومة الإلكترونية ليتم التحقق من صحة البيانات بمساعدة الوثائق الشخصية التي تصدرها الحكومات والمسجل عليها بيانات القياسات الحيوية، وعلى الرغم من جوانب الضعف التي يتعين التعامل معها كالحاجة إلى حماية الخصوصية وضمان سرية بيانات القياسات الحيوية الحساسة إلا أن المستقبل يحمل الكثير لهذه التقنية لأنها في الواقع تخوض في مجاهل الآلة الأذكى على الإطلاق : الإنسان .