التغير المناخي وآثاره الكارثية على الأرض والبشرية..
إصلاح ذاكرتنا: كيف يمكن لنا أن نواجه تغير المناخ في المستقبل إذا كنا قد نسينا ماضينا؟
تتجاهل العديد من المجتمعات التغير المناخي وآثاره الكارثية التي يسببها للأرض وللبشرية، ولقد ميّزْتُ هنا بين آثاره على الأرض من جهة و على الجنس البشري من جهة أخرى لأن العديد من الناس فقط تهتم بما يمكن أن يعاني منه البشر، دون أن تفهم بشكل وافٍ بأن الخراب الذي نسببه للأرض سيدمرنا.
نجاة الجنس البشري فقط أم نجاة كوكبنا؟
بعد مؤتمر الأمم المتحدة للأرض والمناخ في مدينة ريو البرازيلية تصدرت عناوين الأخبار في وسائل الإعلام عبارة « لم يتبق لنا سوى 20 عاماً لننقذ كوكبنا!!» عندها علّق أحد خبراء البيئة بالقول «بل تبقى لنا 20 عاماً لإنقاذ الجنس البشري».
لا يمكننا حتى أن نبدأ بالتفكير بانقراض جنسنا البشري..فها قد مرت هذه العشرون عاماً دون أن يُتخذ أي إجراء مؤثر في هذا الشأن، فقد تواطأنا على بقائنا. عشرون عاماً من النشاط، استطعنا خلالها أن نتعلم أن نغير سلوكنا البيئي، نتحكم بانبعاث الكربون، أن نستبدل طرق حياتنا التي تلوث البيئة بأخرى أفضل وأنظف بيئياً. لكن الحكومات والشركات أعاقت كل تغيير حقيقي. وقالت أننا يجب ألا أن نقف في وجه «التقدم». وعلى العموم، الجمهور مازال غير مكترث بالأمر كثيراً.
عصر جيولوجي جديد
لاحظ بعض المؤرخين البريطانيين منذ بضع سنوات بأن جزءاً من المشكلة يتعلق بفشل مناهج التعليم في طرح هذه الإشكالية، لذا طالبوا جميع الأكاديميين مهما كان اختصاصهم بأن يتفكروا في موضوعة التغير المناخي ومن ثم يضمِّنوها في تدريسهم. وظهرت مطالب مشابهة في الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية . ومنذ 12 عاماً أضيف مفهوم جديد لمناقشة هذه الإشكالية هو الأنثروبوسين Anthropocene فبعض علماء الأرض قالوا بأننا الآن نعيش في عصر جيولوجي جديد يسمى الأنثروبوسين بسبب التغيرات التي حلت بالأرض نتيجة النشاط البشري. وثمة من يعارض هذا الطرح ويعتبر المصطلح ضرباً من الغرور العلمي البشري. لكنهم بالتأكيد لا يمكن لهم أن ينكروا أن جميع أسس الحياة على الأرض من أصغر الميكروبات حتى أكبر الأشجار والثدييات تتأثر بشكل هائل بنشاطات الإنسان ونحن بحاجة لتطوير بعض طرقنا لتوصيف هذه الآثار.
كما تناولت دراسة أجريت في شيكاغو في بداية هذا العام هذه الإشكالية وقالت بأن « أكثر الأبحاث المتعلقة بالتغير المناخي ركزت على كيفية تأثيره على الشروط المادية للحياة على الأرض» وأشارت إلى أن التهديد الذي تسببه نشاطات البشر لا يقتصر على الأرض فحسب بل يطال كل نواحي حياة الإنسان، فالإنسان لا يتأذى فيزيائياً فقط بل إن الاضطراب يطال حياته العاطفية والروحية والفكرية نتيجة هذه التغيرات في المناخ. لقد حان الوقت لنقوم نحن المهتمين بالتغيرات التي يحتمل أن تطرأ على مستقبل البشرية أن نبدأ بالتآزر وتجميع الجهود للفت النظر للمخاطر الأخرى التي ستحصل إلى جانب الكوراث المادية من فيضانات وجفاف وهجرات جماعية وشح في الغذاء وجميع الصراعات الناجمة عن الكفاح من أجل البقاء.
حرماننا من الجوانب المضيئة في تاريخنا
إن معظم تاريخنا البشري كان مليئاً بالأذية للأرض التي تمدنا بأسباب الحياة، لكن ثمة للتاريخ أكثر من نوع. فهناك التاريخ الذي يدرس في المدارس، مواكب طويلة لملوك ورؤساء وباباوات، تواريخ المعارك ومن ربح فيها ومن خسر، والثلة المعتادة من رجال السلطة. أما الناس، الشعب الذي في أدنى السلم الاجتماعي فقليلاً ما يكتب عنهم من قبل نخبة ما من الأدباء أو المثقفين، فلننسَ الأسماء الكبرى والمعارك ، الامبراطوريات التي بنيت وتجارة الخيول، ولندرس بدلاً عن ذلك القدرات المثيرة للاهتمام لأولئك الملايين مجهولي الأسماء التي أبدتها الشعوب على مدى قرون.
لقد ولى ذلك الزمان الذي كان فيه الأطفال يتحلقون حول الموقد ويستمعون لأحاديث الأجداد يروون لهم عن ماضيهم وكيف كانت الحياة من قبل، يقصون الحكايا التي ينسجون بها جذوراً لهؤلاء الأطفال تربطهم بأصلهم، من كانوا ومن كانت عائلتهم، وكيف كان مجتمعهم. لقد أصبح التاريخ المحلي حكراً على بعض المهتمين بعد أن كانت المعلومات عن العائلة والتقاليد تدلنا إلى أين وصل بنا المطاف في هذا العالم، فالحياة الحديثة صارت تعني بأن العائلة و المجتمع قد انقسما وتشتتا في الأصقاع المترامية، إنه جزء من الحياة الحديثة! أن يبتعد المرء عن المكان الذي ولد فيه، أن يفقد الاتصال بالمجتمع الذي تربى فيه، أن نفقد شعورنا بتراب أرضنا الأم. البعض يفهم من هذا الحديث أنه من الكافي لاستعادة تاريخنا أن ننظر إلى طفولتنا مما سيساعدنا لنعرف كم من التغييرات قد طرأت حتى الآن، على حياتنا، على المناخ، وعلى الأرض.
لكن دون الرجوع لإرث الأسلاف القدماء ستصبح ذاكرتنا فردية بحتة، وسنفقد القدرة المذهلة على استخدام ذاكرتنا بالطريقة التي فعل بها أجدادنا ذلك. إن التغيرات التي تطرأ على محيطنا الحيوي تحدث الآن بسرعة كبيرة جداً وكل تغير يمحو جزءاً من ذاكرتنا ، حتى انتهى بنا المطاف أن لا نذكر إلا ما نحن عليه الآن. فكيف للمرء أن يأخذ التغير المناخي على محمل الجد إن كان لا يذكر ما كان عليه المناخ في زمن سابق، عندما نعتقد أن المناخ كان دائماً على هذه الحال، هل يمكننا ذلك؟!!
لقد فقدنا ذاكرة أسلافنا القدامى البعيدين التي كانت محفوظة حية لدى أجدادنا، ذاكرة مجتمعاتنا السالفة التي كانت تربطنا بالأرض. تلك الروابط مع أجدادنا التي كانت تحدثنا عن فيضانات الأنهار المحلية، عن مواسم الحصاد الطيبة، لقد كان بإمكانهم أن يخبرونا تماما كيف استطاعوا أن ينجوا خلال مواسم الجفاف، أو كيف تعاملوا مع الأوبئة التي أصابت المحاصيل قبل أن تظهر المبيدات الكيماوية. لم يعد لدينا ما نقارن به الوسائل التي نتبعها اليوم، لقد خسرنا الدروس التي كان علينا أن نتعلمها ولم نلحظ تلك الخسارة إلا عندما ساءت الأمور بشكل كبير حتى أصبحت مدمرة لحياتنا.
إن إنقاذ واستعادة التاريخ الذي هو جزء من جذورنا وحده الكفيل بتشجيعنا على أن نكون فاعلين.
بتصرف عن موقع Global research