أهلا بك في« كوبا»!

أهلا بك في« كوبا»!

كانت رحلة مرهقة ومحفوفة بالمخاطر، لكنهم وصلوا أخيرا إلى وجهتهم، هم مجموعة صغيرة من العجزة والمرضى الأمريكيين وقد شقوا عباب البحر بعيداً عن موطنهم إلى الجزيرة «الحمراء» القريبة،

 وها هم يطوفون الآن في أحد شوارع الجارة «كوبا» أشبه بالضائعين، أرادوا ان يتحققوا بأنفسهم مما سمعوه في أمريكا، «نظام صحي اشتراكي»، «هل هو بالفعل بهذا السوء الذي يتحدثون عنه في البرامج التلفزيونية؟» يتساءل البعض منهم وهو يحث الخطا نحو صيدلية عشوائية في أحد الشوارع الفقيرة للعاصمة الكوبية، لكن، لا يمكن أن يسوء الوضع أكثر من ذلك، فجميعهم قد رفضوا من برنامج الضمان الصحي في الولايات المتحدة الأمريكية، وهاهم ينتظرون الموت بعد أن عجزوا عن تامين كلفة طبابتهم، لكنهم لا يعلمون بان دموع الفرحة ستنهمر على وجوههم بعد قليل، غير مصدقين على الإطلاق، لقد وجدوا جميع أدويتهم هنا، بربع السعر الأمريكي، بالإضافة إلى دخول مجاني لفحص متكامل في أحد المشافي،.

 

أسرار قذرة للبرنامج الصحي الأمريكي

اختتم المخرج الأمريكي المشهور «مايكل مور» فيلمه الوثائقي «Sicko» ببعض من هذه المشاهد، لقد أثار فيلمه ذاك زوبعة إعلامية فضحت أسرارا قذرة للبرنامج الصحي الأمريكي، لم يخجل الرجل من مقارنة مستوى الطبابة والعناية في بلده مع معظم بلدان العالم، وانتهى به الامر إلى الاقتناع بان تلك الجزيرة المحاصرة في البحر، تتفوق على بلاده بمراحل، تلك البلاد التي تتشدق على الدوام بحرصها على الإنسان والإنسانية، لكنها ترمي مواطنيها على قارعة الطرق ليموتوا ببطء، فالهم الوحيد هو تحصيل المال ولا قيمة هناك للأرواح البشرية!

ولمن لا يعلم، يملك ذلك البلد الصغير أحد أفضل انظمة الرعاية الصحية في العالم، كما أنه يحمل المرتبة الأولى عالميا لعدد الأطباء العاملين بالمجان في وكالات الغوث الدولية، وبفارق كبير جدا عن أقرب منافسيه، ذلك يعني ببساطة نية واضحة لخدمة البشرية بصمت وأمانة بعيداً عن البهرجات الإعلامية والخطابات الفارغة، وهذا ما حدث منذ عدة أيام مع إعلان مركز أبحاث المناعة الخلوية الكوبية عن إطلاق لقاح فعال لمرضى سرطان الرئة، للمرة الاولى في التاريخ، وبالطبع، لم ينل هذا الاكتشاف المذهل أي تغطية إعلامية تذكر!

 

لقاح لسرطان الرئة

وهذه ليست المرة الأولى، فقد أعلنت «كوبا» في العالم 2012 عن اكتشاف لقاح فعال لمرضى السرطان دعي باسم «CIMAVAX-EGF» وها هي اليوم تعلن عن إنتاج لقاح جديد تمت تجربته على المرضى من 86 بلداً بنتائج مذهلة أدت إلى تقليل واضح من أثر الورم الخبيث مما يسمح بالبدء بالعلاجات الفعالة كمرحلة تالية، وما يزال المركز الواقع في العاصمة «هافانا» يتابع أعماله المثيرة للاهتمام منذ إطلاقه إلى اليوم، بعد أن قام بتركيز جهوده على التعامل مع الأورام السرطانية ومعالجتها بشكل كامل، وهو يصدر منتجاته إلى 26 دولة بأسعار صادمة، وبتعاون على الدوام مع مراكز أبحاث في الصين وكندا واسبانيا، ليحطم الكذبة التي تتناقلها وسائل الإعلام في الدول الكبرى والتي تعتبر بان الدواء الفعال يحضر من قبل تلك الدول الكبرى دون سواها.

 

فلسفة صحية مختلفة

وعلى الرغم من أن القطاع الصحي الكوبي يجني أرباحاً معقولة، إلا أن «فلسفة» عمله تتناقض بشكل كبير مع همجية عمالقة الصحة والدواء في الدول الرأسمالية الكبرى، ففي الوقت الذي تسعى فيه تلك الشركات الجشعة لزيادة أرباحها عن طريق تصنيع ادوية تعمل على إطالة امد الحالة المرضية وتحويلها إلى أمر مزمن، كما أفادت الدراسة الاخيرة للباحث «ريتشارد روبرتز» الحاصل على جائزة نوبل في الطب، تتركز جهود القطاع الصحي الكوبي على تطوير لقاحات رخيصة تعمل على مقاومة الأمراض و«قتلها في المهد»، وعن طريق استخدام موارد تقل بعشرين مرة عن موارد الولايات المتحدة الأمريكية في هذا المجال، باعتراف مقال حديث نشرته مجلة «العلم» الامريكية، وبدعم برنامج تثقيفي صحي يدفع الناس للتعاون مع حملات التلقيح والتطعيم الشهرية هناك، بالإضافة لتشجيع أساليب الطب الشعبي والطرق العلاجية الطبيعية كبديل حقيقي ومدعوم للأدوية الكيميائية الصناعية التقليدية.

 

حرمان من الأدوية الشافية

لم يتوقف الأمر عند تجاهل تلك الثورة الدوائية، فقد شنت الولايات المتحدة الأمريكية حرباً مستميتة لمنع انتشار مثل تلك الادوية على أراضيها، لأنها ستعمل على تقويض سطوة الشركات الدوائية الكبرى وتحد بالكامل من جبروتها على المرضى والمحتاجين، فعلى سبيل المثال تحرم حكومة الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 80 ألف مريض بالسكري سنويا من اللقاح الكوبي «Heberprot-P»، مما يدفع أولئك الأشخاص إلى بتر اطرافهم بعد تفشي مضاعفات مرض السكري في أجسامهم، ذلك اللقاح الذي يغني تماما عن عملية البتر المريعة تلك!

 

عالم يستجدي الصحة

منذ زمن أعربت رئيسة منظمة اليونيسكو «أيرينا بوكوفا» عن دهشتها الكبيرة لمدى التقدم التقني في جزيرة «كوبا» في كافة المجالات، وأشادت بدور ذلك البلد الصغير في مجال الرعاية الصحية، ففي مكان توزع فيه الادوية في المشافي بالمجان، يبدو المستحيل واقعاً، ويصبح الإنسان أقوى وأكثر وعياً، وتتعزز أواصر التكافل الاجتماعي لينهض الشعب صحيحاً معافى لخدمة إخوته في الإنسانية، لا يبتغي لا شهرة ولا مالاً، يدفعه في ذلك التزام قل مثيله، في عالم تنهشه كل يوم شركات كبرى تدعي حرصها على صحة الإنسان، لكنها تريد أن يبقى مريضاً معوزاً يستجدي حبة دواء تكفيه لنهار واحد فقط!

آخر تعديل على الأحد, 20 تموز/يوليو 2014 22:24