علم آثار العصور الحجرية القديمة: لماذا تعد الأدوات الحجرية هامة؟
مانويل فيل مانويل فيل

علم آثار العصور الحجرية القديمة: لماذا تعد الأدوات الحجرية هامة؟

ما الذي يدفع بإنسانٍ عاقل ليكرّس حياته لدراسة أحجار مطروقة مكسرة؟ على الرغم من أن معظم الناس سيرمون هذه الأحجار أو يستخدمونها لبناء ممر في حديقة المنزل، بينما معظم الآثاريين المختصين في العصور الحجرية القديمة يدرسون هذه الأحجار المحطمة تحديداً، قد يبدو الأمر ضرباً من الجنون ولكن وبما أنني أحد هؤلاء المجانين الذين يدرسون هذه الأحجار أرغب بأن أشرح لكم لماذا قد يختار احدٌ ما اختصاصاً كهذا.

ترجمة : قاسيون

 

علم آثار العصور الحجرية (Paleolithic)

هو فرع من علم الآثار الذي يدرس (الأحجار القديمة) (paleo = قديم) (lithic  = حجر) ولتعريف هذا الفرع بشكلٍ علمي يمكننا القول إن «علم آثار العصور الحجرية يختص بدراسة فترة من التاريخ الإنساني تعرف بأسم (العصور الحجرية القديمة) وهذا الجزء من تاريخ الإنسان تميز بأدوات صنعت يدوياً من أنواع مختلفة من الصخور والأحجار، بالتعريف تبدأ حقبة العصور الحجرية بقيام أسلاف البشر (Hominins) بتصنيع أولى الأدوات الحجرية، وتنسب هذه الأدوات الحجرية التي صنعت بتقنية الطرق من قبل أسلاف البشر إلى موقع أثري في أثيوبيا في منطقة (Gona) ويقدر عمر هذه الأدوات بما يقارب 2.5 مليون سنة، وتكمن أهمية هذه الأدوات الأولى ليس في أنها حددت بداية العصور الحجرية فحسب بل بأنها كانت بمثابة دليل على بداية ظهور التاريخ والثقافة الإنسانية. تقدر نهاية العصور الحجرية في حوالي 10.000 B.P. (قبل الحاضر) هذا التاريخ الذي تميز باختراع الزراعة واعتماد نمط الحياة المستقرة الذي حل تدريجياً مكان المجتمعات المتنقلة التي كان تعتمد بشكل اساسي على الصيد والالتقاط.

بإختصار إن العصور الحجرية تغطي حقبة زمنية رائعة ومثيرة تمتد حوالي 2.59 مليون سنة اي ما يعادل 99.7% من تاريخ كل جنسنا البشري أما ما تبقى من تاريخنا الذي يشمل العصور البرونزية والكلاسيكية والعصور الوسطى وصولاً إلى عصرنا الحديث هذا فهو لا يتعدى 0.3% من تاريخ جنسنا البشري وفي هذا الجزء البائس استطعنا ان نخترع الزراعة والبيوت والعجلات واللغات المكتوبة والعلوم ورحلات الفضاء والانترنت.

 

لماذا بدأ أسلافنا بتصنيع الأدوات الحجرية؟

إن الأحجار المستخدمة لتصنيع الأدوات الحجرية مثل الصوان والشارت والكوارتز تتمتع بميزات خاصة فهي قاسية سهلة التكسير ومطواعة وهذه الميزات تسمح بتكسير الحجر إلى شظايا اصغر عندما يتم طرقه باستخدام حجرٍ آخر، وينتج عن عملية الطرق هذه ما يسمى «رقائق» (flakes) التي تتمتع بدورها بحواف قاطعة حادة ومتينة قلما نجدها بالطبيعة. وكانت هذه الحواف الحادة هي مبتغى البشر الأوائل واستخدموها في مهام متنوعة في حياتهم اليومية مثل تقطيع النباتات وأنسجة الحيوانات أو حتى اصتياد فريستهم، باختصار هذه الأدوات الحجرية أمنت لأسلافنا الأوائل استخلاص قوتهم من البيئة المحيطة وهذا ما يفسر جزءاً من أهمية دراسة هذه البقايا الحجرية فهم بمثابة نافذة نطل منها على سلوك ونشاط أسلافنا. تدل هذه الأدوات على القدرات التقنية والحركية وحتى المعرفية لصناعها الذين عاشوا في الماضي السحيق، إضافة إلى دور تلك الأدوات الحجرية المطروقة التي إذا ما وجدت في الأرض أو على السطح باعتبارها شاهداً على وجود البشر القدماء في هذا المكان خلال العصور الحجرية القديمة، ونظراً لأشكالها المتنوعة يمكن لهذه الأدوات الحجرية ان تشكل نقاط علام للمراحل المختلفة من العصور الحجرية القديمة.   

 

ما المهم بدراسة الأدوات الحجرية؟

خلال العشرات لا بل المئات من آلاف السنين بدأت عملية حفظ متفاوتة لمخلفات أسلاف البشر داخل التربة ففي الوقت الذي تبقى فيه الأدوات الحجرية تقريباً بنفس المكان حيث أسقطها أسلافنا تكون حظوظ المواد العضوية (الأدوات المصنوعة من الخشب والنباتات) بالبقاء أو بالدخول في السجل الأحفوري قليلة، وبالرغم من ذلك فنحن نعلم أن البشر القدماء قد استخدموا أدوات مصنوعة من مواد عضوية مثل الرماح الخشبية المكتشفة في ألمانيا (Schöningen) التي يقدر عمرها بـ 300,000  سنة وتعد هذه البقايا شديدة الندرة إذ لايمكن أن تحفظ إلا في بيئات محددة (الصحراوية – التربة دائمة التجمد  - المستنقعات – ظروف محددة ذات تفاعل قليل مع الهواء) وتدخل هذه البقايا العضوية ضمن مجال دراسات الـ(Taphonomy) والتي تدرس بشكلٍ خاص ماهية التغيرات التي تحصل مع مرور الوقت على البقايا العضوية المدفونة في الأرض، على الرغم أنه من المرجح أن البشر القدماء قد استخدموا مجموعة واسعة من المواد سريعة التلف خلال تاريخهم ولكن كميات الأدوات الحجرية ومخلفات تصنيعها المكتشفة قد جعل من تسمية هذه العصور بالعصور «الحجرية» خياراً ملائماً.

 

لماذا ندرسها؟

في الختام الأدوات المصنوعة من الأحجار تعد المصدر الأساسي لبحث السلوك والتطور الثقافي لنسل البشر لما يزيد عن مليوني سنة. واستطاعت هذه الأدوات من أن تبقى خلال هذه العصور لما لها من طبيعة متينة لتزودنا بمعلومات متشعبة حول نشاطات وقدرات صانعيها. ربما لايزال مستغرباً ان يمتهن شخصٌ ما دراسة كسر حجرية قديمة ولكن يمكن أن تعرف لماذا يهتم بعض الباحثين بدراستها.