لغة الضاد.. ولغات العصر

لغة الضاد.. ولغات العصر

يشبه الباحث عن أي موضوع علمي في بلادنا من يبحث عن ابرة في كومة من القش، وسيخوض بالتأكيد في دوامات الروابط الالكترونية ليصل في النهاية إلى محتوى ركيك يبتعد بدرجات عن ضالته!

إنها المشكلة التاريخية نفسها التي تدفع الباحث العربي إلى التوجه فوراً إلى المحتوى الأجنبي وترجمة ما يود الاستفادة منه دون أن يضيع الكثير من الوقت في تصفح المراجع العربية العلمية، إنها تدفع الناطق بإحدى أكثر اللغات انتشاراً في العالم إلى أقصى درجات اليأس لا مبالغة في ذلك، فالتجربة البسيطة تثبت واقع الحال، والبدء بأي عملية بحثية على الانترنت باستخدام اللغة العربية سيكون الباب الأول في متاهة لا تنتهي فبعد ساعات من البحث المُضني عن موضوع مُعين، ستجد نفسك امام عدد من الروابط، تودي كل منها إلى صفحة مُلوّنة مليئة بالقلوب والأزهار لـ «مُنتدى رقمي» يحمل في الغالب اسماً سخيفاً وسطحياً  يشترط التسجيل والانضمام حتى تستطيع مشاهدة الموضوع الذي تبحث عنه، وكأنه يحوي كنوزاً من المعلومات لا تُقدّر بثمن، ولم تُنشر في أي موقع آخر عربي أو أجنبي، وبعد أن تنضم إلى المُنتدى، تجد نفسك أمام عدة سطور لا تُسمن ولا تُغني من جوع، مكتوبة بلغة ركيكة مؤسفة تُشير أن صاحب الموضوع نفسه لا يكاد يفهم ما يكتبه، تتلوها الردود المُعتادة من أعضاء المُنتدى المجهولين التي تمتدح صاحب هذه المشاركة وتشكره على عظيم ما قدم ويقدم. وحتى لو قادك حظك الحسن إلى الدخول في روابط عربية أكثر جدية، ستجد أن مُعظمها يوفر معلومات لا تُشبع الفضول ولا تتطرق أبداً إلى الفرعيات أو التفاصيل المُحددة التي يسعى وراءها الباحث، أو حتى من يرغب الاستزادة من معارفه الشخصية .


وهنا يعمد البعض إلى تصنيف هذه الكلمات تحت أفكار التعصب الأعمى لقومية أو للغة ما، متجاهلين الإحصائيات الأخيرة التي أعلنت أن عدد المُستخدمين الناطقين بالعربية للإنترنت قد ارتفع في الفترة ما بين عامي 2000 و 2009 بنسبة كبيرة تُقدّر بحوالي 23,3 %، أي أن عدد العرب المُستخدمين للإنترنت حالياً يزيد حتماً عن الـ 90 مليون مُستخدم من بين 360 مليون نسمة هم المجموع الكلي للسكان العرب، وبالمقابل ما زال المحتوى العربي على الانترنت لا يتجاوز ال 3% فيما يبدو كنسبة هزيلة للغاية تعود للغة تحتل المرتبة الخامسة في الانتشار العالمي من أصل 6500 لغة معروفة بالمقارنة مع اللغة الانكليزية مثلاً والتي حصدت 40% تقريباً.


فالمشكلة الجوهرية هي أن كم المحتوى العربي، ونوع المُحتوى العربي، لا يتناسبان على الإطلاق مع تنامي الحاجة إليه، ويصح القول بأن هذا الخلل في ( الكم والكيف ) يعود إلى مجموعة كبيرة من الأخطاء في الإدارة والتوجيه تتسلسل وتتعاون للوصول إلى حالة مزرية ليست بالجديدة على الإطلاق،  ففقر نوعية الكثير من المواد المنشورة واحتوائها على معلومات ركيكة مليئة بالأخطاء سيلقي بظلاله على جودة المحتوى، لتتلو ذلك عمليات النقل والنسخ المجنونة ليتم إعادة نشر المقالات والمواد حرفياً بعد استنساخها من مواقعها الأصلية، وتجريدها من اسم كاتبها واسم الجهة الناشرة، بلا أدنى اهتمام وغياب كامل – كالعادة – من الجهات الرسمية ذات الاختصاص بمُراقبة حركة الملكية الفكرية والسطو عليه يقابلها في ذلك عدم تفهّم العاملين في إنتاج هذا المُحتوى لديناميكية العالم الرقمي وعدم إلمامهم أصلاً بالمحتوى الفكري الذي يُريده المُستخدم في سوق الإنترنت الشاسع والواسع ،فضلاً عن غياب الكثيرين منهم عن دراسة الكيفية التي يبحث بها المُستخدمون عن المعلومة، وتجمدهم في قوالب قديمة بالية مُزرية في أساليب الكتابة والإنتاج، فتظهر النتيجة مُشوّهة مريضة أمام مُستخدم عربي نشط الفكر، يتوق إلى مُحتوى يوازي حدود فكره، ثم النتيجة الحتمية : الاعتماد على المُحتوى الأجنبي بشكل كامل – خصوصاً الإنجليزي والفرنسي –، وإهمال مُتابعة المُحتوى العربي، وبالتالي إهمال تطويره.


لذا تبرز الحاجة الماسة للنهوض بالمحتوى العربي على شبكة الانترنت في إطار مشروع ثقافي علمي متكامل يبتعد عن التغزل السطحي والتعصب الأعمى للغة العربية  ليشكل قاعدة فكرية وبحثية تنطلق من قلب مجتمعاتنا وتحمل بصمات أعمالنا وتحطم القيود المعرفية المفروضة على مجتمعاتنا عن طريق خطة واضحة تبتغي تطوير المُحتوى العربي – كمّاً وكيفاً – دفاعاُ عن هويتنا المعرفية ومكانتنا التاريخية، وبالطبع بعيداً عن «مهرجانات» تطوير المُحتوى العربي التي لا تبيع سوى المفردات المقعرة من لغتنا.

آخر تعديل على الثلاثاء, 29 تشرين1/أكتوير 2013 18:48