لماذا يصمت «فايسبوك» عن أرقام التدخين وتعاطي الكحول؟
الارجح أنه ليس هيناً القول بأن شخصاً ما يعاني تعوّداً قهرياً (أو إدماناً) على التقنيات الرقمية. ثمة أشياء كثيرة يجب التمييز بينها بدقة، كي لا يختلط الحابل بالنابل في الحديث عن تلك الظاهرة المستجدة على مجتمعات القرن 21. إذ يجب التمييز بين الطفل الذي يستهلك بشكل كثيف الشاشة وبين المراهق الذي لا يفعل شيئاً سوى ممارسة ألعاب الفيديو. إذ لا يزال الطفل في مرحلة الاعتماد على الآخرين، ما يعني أنه يتوجب على الأهل التنبّه لممارساته ومدى تملكها من نفسه وحياته. ويختلف الأمر بالنسبة لمن هم في مرحلة المراهقة. وأحياناً، تكون الاستدامة في ممارسة ألعاب الفيديو نوعاً من الهروب بالمعنى الإيجابي! إذاً، يتوجب على الاهل في تلك الحال ان يشاركوا أولادهم الألعاب الالكترونية لخلق نوع من التواصل الإيجابي معهم.
وفي إحدى الدراسات الفرنسيّة عن الوقت الذي يمكن للفرد أن يبقى فيه من دون تواصل مع الأجهزة الرقميّة وشبكاتها، ورد أن 8 في المئة ممن شملتهم الدراسة أقروا انهم لا يستطيعون البقاء من دون تواصل مع الأجهزة الرقميّة إلا لساعات محدودة! وأفاد 11 في المئة ان تلك الفترة يمكن ان تصل إلى يوم كامل، و22 في المئة لثلاثة أيام، و24 في المئة لمدة تتراوح بين أسبوع وأسبوعين، و25 في المئة لأسابيع عدة. وإذ باتت العلاقة بين الكآبة المرضية والهاتف الذكي شبه مثبتة، توجد حتى الان صعوبة في اثبات العلاقة السببيّة بينهما. هل ان التواصل هو الذي يؤثر على الصحة العقلية- النفسية أم ان المضطربين نفسياً هم من يقضي أوقاتاً طويلة في الاتصال بشبكات الـ»سوشال ميديا» على أنواعها؟ بالنسبة لخبراء كثيرين تؤثر الشبكات الاجتماعية على الدماغ، بطريقة تشبه تأثير نيكوتين التبغ على دماغ المدخّن. إذ أن الاستخدام المفرط هو أمر يتعلق ايضاً بالمكافآت التي يحصل عليها المستخدم. وعلى عكس الحال بالنسبة لمشاهدة التلفزيون، تعطي الشبكات الاجتماعية مكافآت مختلفة لمستخدميها. إذ لا يعرف الشخص عدد «اللايكات» التي سيحصدها، مع ملاحظة وجود صعوبة في مقاومة الاحساس الايجابي الذي تعطيه كثرة الـ»لايك»، بل أنها تشبه حبة السُكّر التي تعطى للحصان عندما يقوم بما يطلب منه مدرّبه.
ليس أداة محايدة
من جهة أخرى، يطرح «المعهد الوطني لتعاطي المخدرات» في الولايات المتحدة، سؤالاً عن العلاقة بين استخدام «فايسبوك» وانخفاض معدلات التدخين وشرب الكحول. المفارقة أن شبكة «فايسبوك» لا تزال صامتة حول الموضوع، ولربما كان الأمر بالنسبة لها انه كلّما زاد الاستخدام، ارتفعت مداخيل الإعلانات! في المقابل، حذر بعض العاملين السابقين في «فايسبوك» مما سمّوه «الوحش» الذي صنعه «فايسبوك». إذ تحدث شاماط باليابيتيا، وهو نائب سابق لرئيس «فايسبوك»، عن الشبه بين تلك الشبكة ومادة «دوبامين» التي تفرز في أدمغة المدمنين عند تناولهم المواد التي يتعاطونها. ووصف باليابيتيا الأمر بأنه «تدمير لعمل المجتمع»، مشيراً إلى شعوره بالذنب لكونه عمل مع مع تلك المؤسسة، بل أشار إلى أنه يمنع أطفاله من «تعاطي» شبكة «فايسبوك».
هل قضاء أوقات طويلة في مطالعة «فايسبوك» يؤثر سلبيّاً على الافراد؟ يجيب عاملون في تلك الشبكة بأنها ليست سوى أداة محايدة، ويتوقف الامر على كيفية الاستخدام. كذلك يؤكد الجميع أن الاستهلاك السلبي للمعلومات له تأثير سيء، في مقابل التأثير الايجابي للتفاعل مع الاقارب والاصحاب عبر تعليقات ورسائل تحسن المزاج من جهة، وتبني ذكريات طيبة من الجهة الاخرى. كذلك يحاول «فايسبوك» دعم بحوث عن ذلك المجال، خصوصاً تلك التي تتعلق بالأطفال. ثمة مفارقة تظهر في أن 75 في المئة ممن يعملون في «وادي السيليكون» يحذرون من استخدام الشاشات في المدارس، بل يفضلون استبدالها بأوراق واقلام وابر الخياطة. ويرون أن ذلك الاستبدال يحقق نجاحاً كبيراً، مستندين إلى تأكيدات من مجموعة كبيرة من علماء النفس.