تجارب «غوغل» التي لا تنتهي
في سياق أزمة «فايسبوك»، جرى تداول واسع لمصطلح «الخصائص السيكولوجية للجمهور»، إذ ابتدأت الأزمة كلها مع بحث أجراه خبراء علم النفس في جامعة كامبريدج، في العام 2013، شمل ما يزيد على 58 ألف أميركي. وصنع الخبراء أداة رقمية تولت تحليل بيانات هؤلاء الأشخاص المتجمعة في موقع «فايسبوك»، وتوصلت إلى تحديد السمات الشخصية المميزة لكل منهم. وتجمع الأداة عينها بيانات في «فايسبوك» عن أصدقاء الأشخاص الذين شملتهم تلك التجربة السيكولوجية التي توصلت إلى تحديد الميول السياسية الانتخابية للأفراد بدقة قاربت الـ85 في المئة. وشكلت تلك التجربة أساساً استندت إليه شركة «مختبرات الاتصالات العالمية» لتحديد الملامح السيكولوجية لقرابة 50 مليون شخص جرى تحليل بياناتهم المتجمعة على «فايسبوك».
دائرة مغلقة تطحن الجمهور
في العام 2014، بلغ مجموع التجارب التي انخرط فيها خبراء التقنية في «غوغل» للتأثير في سلوكات أفراد وشرائح من الجمهور، خصوصاً عبر الإعلانات، قرابة عشرة آلاف تجربة سنوياً، من بينها قرابة ألف تُجرى في الوقت نفسه. ووثق خبراء من «جامعة بيركلي» الأميركية ذلك النسق من التجارب في ورقة بحث صدرت في 2013، وحملت عنوان «أبعد من «البيانات الضخمة»» Beyond Big Data. تهدف التجارب إلى تفحص المنصات الرقمية التي تقدم الإعلانات إلى الجمهور، وخوارزمياتها، ومكونات الخدمات عليها وغيرها، بهدف التعرَّف إلى أنماط الإعلانات التي تؤثر في الجمهور فعلياً. وتستطيع تلك الإعلانات ملاحقة المستخدم أثناء انتقاله من موقع إلى آخر ومن صفحة إلى اخرى، مع إحداث تغييرات بسيطة فيها كل مرَّة، كي تتعرف الشركات إلى الإعلانات التي تؤثر في الناس جماعياً إفرادياً.
وتعني تلك التجارب أنه في كل مرَّة تدخل أنتَ فيها إلى الشبكة، تكون من دون أن تدري، موضوعاً لعشرات التجارب السيكولوجية التي تسعى للتعرف إلى سلوكاتك وعاداتك وميولك، كي تستفيد منها الشركات في التعامل معك. ويتيح ذلك النوع من جذب الانتباه الشخصي، فرصاً متنوعة للشركات العملاقة للتلاعب بسلوكات الناس، وهو أمر كان متعذراً قبل عصر الشبكات الرقمية، إذ تتيح الشبكات للشركات أن تعرف أيضاً، دائرة الأصدقاء والعائلة والمقربين لكل فرد، ما يفتح الباب أمام استخدام معلومات الشخص في التأثير في تلك الدوائر الاجتماعية التي يتحرك فيها.
وبذا، يرتسم نوع من الدائرة المغلقة، لأن المعلومات التي تتجمع عن مجموعة من المستخدمين تستخدم في تجارب للتأثير في مجموعات أخرى. ومع ظهور النتائج التالية، يجري تحسين أدوات القياس والتدخل، فيصبح الجمهور نفسه مشاركاً في صنع أدوات ترتد عليه لتتلاعب به!