وسائل التواصل تُسهّل نشر العنف والكراهية

وسائل التواصل تُسهّل نشر العنف والكراهية

استطاعت وسائل التواصل الاجتماعي احتلال مكان بارز في مجتمعاتنا، خصوصاً مع انتشارها الكثيف بسبب انتشار الهواتف الذكية والإنترنت في كل المجتمعات وضمن الفئات العمرية كافة.

ونظراً إلى هذا الانتشار، فإن وسائل التواصل ساهمت في شكل لا يقبل الشك في تغيير بعض العادات السائدة في المجتمعات، إضافة إلى تمكنها من تعديل بعض التصرفات الاجتماعية لتتوافق مع «الإنترنت» وطبيعتها.

وقد يذهب البعض إلى نقاش حاد يفيد بأن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي تدفع الأشخاص إلى التحول نحو «الشر» في تصرفاتهم، في وقت قد يدافع آخرون بأنها ساهمت في زيادة التوعية ضد مختلف أنواع الشرور التي تمارس على هذه الوسائل وعلى أرض الواقع.

ويملك أصحاب وجهة النظر الأولى الكثير من الإثباتات التي يُمكن أن تصل بنا إلى نتيجتهم. فعلى سبيل المثال، سمحت وسائل التواصل لجميع الأشخاص بإبداء آرائهم بغض النظر عن مضمونها، إذ يُمكن أن تجد على منصات هذه الوسائل ملايين المنشورات التي تحرض على العنف، ناهيك عن الإهانات التي تُطلق بصورة يومية من خلال هذه المنصات. وأظهر بحث نشر عام 2016، بأن كلمة «بائعة الهوى» نُشرت أكثر من 200 ألف مرة حول العالم على «تويتر» في ثلاثة أسابيع. وتم توجيه هذه الكلمة بهدف الإهانة، لأكثر من 80 ألف حساب حول العالم. وفي بريطانيا فقط، استُهدف نحو 6500 حساب بأكثر من 10 آلاف منشور «عنيف» يحمل في طياته هذه الكلمة.

وأظهر البحث أن الشخصيات العامة، خصوصاً الفنانين، من أكثر الأشخاص الذين تعرضوا للاستهداف على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن نقابة الأساتذة والمعلمين في بريطانيا أفادت بارتفاع كبير في استهداف أعضائها على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً من جانب الطلاب وأولياء أمورهم. ومن أصل 1300 أستاذ استطلعت النقابة رأيهم، أفاد نصفهم بأنهم تعرضوا لاستهداف لفظي على وسائل التواصل لأسباب ترتبط بعملهم.

ولا تقتصر الأمور عند حد التهجم اللفظي، إذ تتيح وسائل التواصل المجال أمام كل الأشخاص نشر كل شيء تقريباً، خصوصاً أن لائحة الممنوعات على «فايسبوك» مثلاً لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، واللافت أن التهجم والتهديد ليس واحداً منها.

والحال، أن هذه الوسائل تعتبر منصة مفتوحة لأي شخص للتعبير عن آرائه، والتي يُمكن أن تتضمن تهديدات أو دعوات للقتل، إضافة إلى الإهانات والمنشورات التي تستهدف أشخاصاً آخرين.

ولكن هل يعتبر وجود هذه العبارات، مقياساً على «وحشية» وشر الأشخاص الموجودين على وسائل التواصل؟ وهل يمكن تعميم هذه النتائج لمجرد أن بعض الأشخاص يمارسون تهجماً لفظياً إلكترونياً على أشخاص آخرين؟.

لا مفر من الإقرار بأن وسائل التواصل والإنترنت عموماً تشجع على ممارسة أفعال الكراهية، خصوصاً أنها تؤمن مقداراً لا بأس به من السرية، كما أنها تؤمن منصة خالية من المواجهة المباشرة مع الطرف الآخر، ما يمكّن أي شخص من قول ما يريد من دون أن يضطر إلى تحمل هذه العواقب، إلا أن الأكيد أن هذه المنصات لا تساهم في إظهار «الشر» البشري، بل يُمكن القول إنها تساعد على نشره فقط.

وتساعد الحياة الإلكترونية الكثير من الأشخاص الذين لا يملكون الجرأة على توجيه رسائل الكراهية على أرض الواقع، إذ يعتبرون أنهم محميون أمام شاشاتهم من مواجهة رد الفعل الذي يمكن أن يصاحب هذه الرسائل. فالمهاجم الإلكتروني لا يرى حجم الأذى الذي يُمكن أن توقعه رسائله في الشخص الآخر، كما يحتمي في بعض الأحيان وراء «هويات» افتراضية مزيفة هدفها توجيه رسائل تحمل طابعاً من الكراهية لأشخاص آخرين، ما يجعله منيعاً ضد المحاسبة أيضاً.

وتُمكن ملاحظة حالات الحظر التي يمارسها تقريباً كل مستخدمي وسائل التواصل، ويمكن تصنيفها بأنها ممارسة نوع من أنواع الكراهية. إذ تتشابه عملية الحظر الإلكتروني إلى حد كبير مع عملية «القتل»، إذ يقوم المستخدم بإلغاء أي احتمال للتواصل أو التفاعل أو حتى المشاهدة مع الشخص المحظور، ما يعني أنه «قتله» افتراضياً.

ومن الملاحظ أن هذا الفعل منتشر بكثرة في وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً على «فايسبوك»، ما يدل بطبيعة الحال على سهولة القيام به واستخفاف المستخدمين بهذا الفعل، على رغم أن أسبابه قد تكون «تافهة» في الحياة الواقعية ولا تتطلب القيام بهذا الفعل العنيف. فيمكن أن يكون الخلاف السياسي أو الخلاف في الآراء في أي موضوع كان، سبباً كافياً للحظر و «القتل» الإلكتروني، في وقت أن من غير المنطقي أو الطبيعي قطع علاقة الصداقة مع الأشخاص الذين يخالفونك الرأي في الحياة الواقعية.

ويدل هذا التصرف على قلة تحمل مستخدمي وسائل التواصل للأشخاص الآخرين، ووصولهم إلى قناعة بأن الشاشة تحميهم من نتائج الأعمال التي قاموا بها ولا يستطيعون القيام بها في الحياة الواقعية، ويُبشر بظهور مجتمعات منغلقة على نفسها تضم أعضاءً من مختلف العالم يتشاركون الرأي ذاته ويعملون على طرد كل غريب عنهم وتهميش كل الآراء المعارضة التي يُمكن أن تظهر.

والحال، أن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، سهلت ممارسة فعل الأذية، وساهمت بما لا يقبل الشك في نشر خطابات الكراهية والعنف بين المجتمعات الافتراضية، وتحويل هذه المجتمعات إلى «طوائف مغلقة» لا مكان فيها للرأي الآخر باستثناء ما ندر.

وسائل التواصل تُفاقم أزمة التنمر الإلكتروني

ولعل ظاهرة التنمر، من أكثر الظواهر التي تأثرت بانتشار وسائل التواصل، إذ استطاعت هذه الوسائل نشر الظاهرة في شكل مكثف في كل أسقاع الأرض، وزيادة عددها في شكل ملحوظ. في الوقت ذاته، استطاعت الوسائل ذاتها من زيادة نسبة الوعي في شأن هذه الظاهرة وخطورتها أيضاً في شكل لافت وفي كل العالم.

ويعرف التنمر وفقاً لمؤسسة ومديرة جمعية «نو لايبل» التي تعنى بمكافحة هذه الظاهرة، نور الأسعد أنه ممارسة فعل عنيف متكرر بنية إلحاق الأذية بالشخص الآخر أو بمجموعة من الأشخاص، مع اشتراط وجود اختلاف في القوة.

وتشير الأسعد إلى أن التنمر أربعة أنواع، الجسدي والنفسي واللفظي، والإلكتروني، لافتة إلى أن الأخيرة من أجدد أنواع التنمر وأصعبها أيضاً.

وأثبتت الدراسات أن الأشخاص الذين يعانون من التنمر الإلكتروني يعانون أيضاً من نوع من أنواع التنمر الأخرى في الأقل، كما أن وجودها على شبكة الإنترنت يعني أن عينة أكبر من الناس يمكنها المساهمة في حصولها، ومن الصعب إزالتها، إذ لا يرتبط التنمر الإلكتروني بإطار زمني كما هي الحال مع بقية أنواع التنمر التي تنقضي مع انقضاء الفعل، بل إن التنمر الإلكتروني يستمر في إطار زمني أطول نظراً إلى صعوبة إزالته ووجوده على شبكة تضم ملايين الأشخاص الذين يشاركون بالفعل أو بالمشاهدة.

وأشارت الأسعد إلى أن هذه الظاهرة منتشرة في شكل كثيف، خصوصاً بين الأطفال في المدارس، لافتة إلى بعض الحالات التي رصدتها مثل إنشاء مجموعات على «واتس آب» للتنمر على أطفال معينين، كما يعمد البعض إلى إنشاء صفحات «فايسبوك» أو «إنستغرام» وهمية تضم صوراً معدلة للأطفال المراد التنمر عليهم. واللافت في التنمر الإلكتروني، أن الأشخاص الذين يشاهدون عمليات التنمر الإلكتروني بغالبيتهم لا يشعرون بأنهم ملزمون بالتبليغ أو المساعدة.

ومن الممكن تحديد هذه الظاهرة في شكل واضح من خلال المواقع التي تعتمد على إخفاء هوية الأشخاص عند إرسال الرسائل مثل موقع «آسك إف إم» أو «صراحة». فعوضاً عن طرح أسئلة تهدف إلى تطوير الذات أو الحصول على معلومات بصورة سرية، يلجأ الأشخاص إلى إرسال الإهانات وممارسة التنمر نظراً إلى إدراكهم أن هوياتهم ستظل سرية.

ولفتت الأسعد إلى أن التنمر لا يقتصر على الشخص الذي يمارس هذا الفعل وعلى الشخص الذي يمارس عليه فعل التنمر فقط، إنما يتوسع ليطاول الأشخاص الذين يشاهدون من دون أن يحركوا ساكناً، انطلاقاً من شعورهم بأنهم غير معنيين بالقضية أو مرتبطين بها في أي شكل من الأشكال.

وأفاد بحث أعده «مركز أبحاث التنمر الإلكتروني» شمل 15 ألف تلميذ من عمر 12 إلى 17 سنة في مدارس الولايات المتحدة الأميركية المختلفة، بأن 36.3 في المئة من الفتيات تعرضن للتنمر الإلكتروني خلال فترة معينة في حياتهن، في حين تنخفض هذه النسبة إلى 30.7 في المئة لدى الذكور.

ووصلت نسبة الذكور الذين تعرضوا للتنمر الإلكتروني في الشهر الذي سبق أعداد البحث إلى 17.3 في المئة في حين وصل إلى 17 في المئة لدى الإناث.

على المقلب الآخر، ساهمت وسائل التواصل في نشر التوعية ضد هذه الظاهرة. ولعل فيديو كايتون جونز الذي يبلغ 11 سنة، من الأمثلة الصارخة على ما سبق، إذ استطاع الوصول إلى ملايين الأشخاص من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، كما حصل على دعم شخصيات عامة كثيرة وتأييدها في مقدمها المغني جاستين بيبر، والممثل كريس إيفان الذي دعاه إلى افتتاح فيلمه الجديد.

آخر تعديل على الثلاثاء, 20 شباط/فبراير 2018 02:13