الرحلة إلى بلاد كوريا الشمالية
كتبت الصحفية الأمريكية كارلا سيا عدّة مقالات توجز فيها رؤاها وأحداث رحلتها لكوريا الشمالية في شهر حزيران من عام 2017 إلى كوريا الشمالية، وتحاول من خلالها مقارعة أكاذيب وتنميطات الإعلام السائد عن تلك البلد. خاصة وأنّها، كما تقول، لم تكن تدرك ما الذي سينتظرها هناك ورأسها مليء بكلّ أنواع الصور التي يروج لها الإعلام الغربي السائد.
تعريب وإعداد: هاجر تمام
وتبدأ حديثها بعد سرد الصور النمطية عن كوريا الشمالية: «لم يحضرني أيّ شيء سمعته عمّا سأكتشفه في بلد الشجعان والودودين والأذكياء تلك، والتي نجحت جهودهم بإنشاء مجتمع من المساواة والعدل الاقتصادي، لتفوق أكثر التوقعات والآمال، وذلك رغم العقوبات البربرية القمعية المفروضة عليهم من قبل الولايات المتحدة ودميتها مجلس الأمن».
وتذكر الكاتبة بأنّها بدأت رحلتها بطرفة رجل الكوري الشمالي أراد ممازحتها بالطائرة عند معرفته بأنّها أمريكية، بإخبارها بأنّ جميع ركاب الطائرة جواسيس عليها: «بما فيهم الرجل النائم خلفهما منذ ساعتين، وبما فيهم المضيفة التي لم نرها... ثم انتبهت لكونه يمازحني عند معرفته بأنني أمريكية». وتتحدث عن الترحاب الذي لقيته بالمطار، وعن لقائها المخطط له للجنرال المسؤول عن العلاقات الخارجية «الذي ناقشت معه أكثر القضايا تعقيداً بشكل فج ومباشر... عندما تحدثنا عن الفارين والمنشقين، أكد لي بأنّهم كانوا مسجونين بقضايا اغتصاب وجرائم أخرى ولم يكونوا سجناء سياسيين، وذلك خلافاً لادعاءات مايكل كيربي الذي لم يزر كوريا الشمالية على الإطلاق».
- الصحّة:
تذكر الكاتبة زيارتها لعدّة أماكن مذهلة، ومنها «مستشفى أوكريو للأطفال» والذي وصفته بأنّه: «بناء إعجازي مخصص لأطفال كوريا الشمالية. فالبناء مريح ويحترم احتياجات الأطفال بحيث يساعد تصميمه لوحده على علاج الأذى لدى الأطفال وأهلهم... هناك مشافي مشابهة على طول البلاد، لكن تستقبل هذه المشفى الحالات والجراحات الأكثر تعقيداً، وهناك مروحية مخصصة لنقل المرضى ذوي الحالات الحرجة إليها».
والخدمات الصحية مجانية للجميع، وللجميع في كوريا الشمالية حق الوصول إلى المنشآت الطبية: «لم أرى في أيّ مكان على الإطلاق عناية أو خدمة بهذه النوعية... هناك قسم مخصص للعلاج النفسي للأطفال الذين يولدون مقعدين، أو للذين تصيبهم إعاقات دائمة».
كما تذكر الكاتبة مستشفى «ريوغيونغ» الخاص بالعيون وجراحتها الذي «يوفر علاجات عصرية وحديثة لكل شيء من الزرق إلى الانحلال البقعي». وخدمات المشفى والعلاج مجانية بالكامل بكل تأكيد. كما تقول: «ويتلقى الأطباء وعوائلهم رواتب من الحكومة بحيث ينصرفون إلى تزويد مرضاهم بكامل مستويات الرعاية الممكنة والمتوفرة».
- الحياة الشخصية:
تركز الكاتبة على بعض مناحي الحياة في الشارع، فتقول: «كنت مذهولة عند رؤيتي لامرأة تمشي بالشارع مع طفلها قبل دخولهما المشفى، وهي ترتدي حذاء ذهبياً مفتوحاً من الأمام وله كعب. لقد كانت أنيقة وجميلة بكل تأكيد... وأخبرت مرافقي السيد يانغ بأنني أشدد على هذه التفاصيل لكونها تناقض الأساطير النمطية عن كون الشعب الكوري الشمالي يرتدي أسمالاً بشعة موحدة اللون تظهر مدى فقره وبؤسه ودكتاتورية مجتمعه».
وتذكر أيضاً مشاهداتها بأنّ البلاد قد قطعت شوطاً طويلاً في مجال المساواة بين الجنسين: «لقد انتبهت إلى أنّ كوريا الشمالية قد حققت تقدماً كبيراً جداً في مجال المساواة بين الجنسين، وهذا أحد أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة عام 2030».
وتخبر كارلا بأنّها تجولت على راحتها وتحدثت مع الناس بشكل عشوائي دون خطة مسبقة ودون مسارات محددة. وتتحدث عن إحدى مشاهداتها بشاعرية كبيرة عند تجولها بالمجمع الزراعي الريفي: «كان هناك فتاة تسلب الألباب تبلغ من العمر حوالي 6 أو 7 أعوام. كانت تتمرن على الرقص وعلى بضع حركات فوق بطانية زهرية ممدودة بجانب المنزل. وذلك أثناء عمل عائلتها في الحقل المليء بالأعشاب. كانت الفتاة ترقص لنفسها بهدف التسلية دون اهتمام بوجود مشاهدين».
- التعليم:
تتحدث الكاتبة عن زيارتها لثانوية «بيونغ يانغ الأولى» والتي مضت فيها، بناء على طلبها، إلى صفوف علم الأحياء والكيمياء والفيزياء، والتي كانت مليئة بالتلسكوبات حيث كان يعمل الطلاب على أوردة أوراق الأشجار. وتقول الكاتبة بخبث: «كانت معلمة الفيزياء جميلة جداً بحيث تقصدت أن ألقي بدعابة أنّ أحداً من طلابها قد يقع في غرامها فيطلبها للزواج رغم فارق العمر بينهما، كما حدث مع رئيس فرنسا ماكرون. فترجم مرافقي المزحة للمعلمة التي ضحكت بدورها عليها دون أيّ حرج أو انزعاج».
وتذكر الكاتبة حديثها مع الطلاب من الجنسين عن طموحاتهم: «شرحت لهم بأنني أزورهم من الولايات المتحدة وبأنني أتطلع قدماً لأشهد صداقة بين بلدينا. وافق الطلاب معي وآمالهم بحدوثه. كانوا طلاباً عاديين ومبهجين وجميلين دون وجود ما يفرقهم عن غيرهم». وتستمرّ الكاتبة بوصف المدرسة: «في الباحة الخارجية كان هناك ملعب بيسبول وعدّة ملاعب تنس. والمدارس مجانية على طول كوريا الشمالية، والتعليم إلزامي كذلك».
وتذكر الكاتبة أنّها استفسرت عن أمر تأثير مستوى الأهل التعليمي على أطفالهم ومستقبلهم، فعمّال المصانع والمزارعون قد يكون تعليمهم أقل من التطور المطلوب، وقد يعيق هذا مساعدتهم لأبنائهم: «وعندما ناقشت الأمر مع السيد يانغ، أخبرني بأنّ جميع المصانع وأماكن العمل فيها مدارس ومنشآت تعليمية أخرى، ولهذا فإنّ لدى العمال منخرطون، أثناء ساعات عملهم وبعدها أحياناً، في المنشآت التعليمية من أجل تصحيح أيّ عدم ملائمة في تحصيلهم العلمي، وهذا يؤهلهم لمساعدة أبنائهم بذات الطريقة التي يمكن فيها للرفاق المختصين والمحترفين مساعدتهم».
- التطوير ومخاطره على الغرب:
تتحدث كارلا عن زياتها لمتاحف وصروح حزب العمال الكوري، حيث وجدت الكثير من الأغراض الرمزية والعلمية والفكرية إلى جانب العسكرية التي تخلد انتصار البلاد على الإمبراطورية اليابانية وعلى غيرها من القوى الغازية.
وتتحدث الكاتبة عن أنّ التطور المستمر والمدعوم من الشعب والحكومة للابتكارات وللتطوير يشكل تهديداً على الغرب ورأسماليته: «فهكذا نموذج اشتراكي ناجح اقتصادياً واجتماعياً، مع إنجازاته الظاهرة، يشكل تهديداً على الاقتصادات الرأسمالية التي تتدهور، حيث بلدان الولايات المتحدة وأوروبا الغربية مهووسة بشكل مرضي بتدمير جميع الأنظمة التي لا يمكنها تحقيق ما حققته».
وتحلل الكاتبة سبب الدعاية الشرسة المعادية لكوريا الشمالية: «وسط التقشف والأزمات الاقتصادية التي تعاني منها دول الغرب الرأسمالية... يجب أن تكون كوريا الشمالية كبش الفداء». وتورد قول الجنرال ماكآرثر كدليل على الرعب الذي يثيره نجاح تجربة كوريا الشمالية وعلى أهميتها في الهيمنة: «عبر احتلال كوريا يمكننا أن نفصل لأجزاء خط التوريد الوحيد والأوحد الذي يصل سيبيريا بالجنوب... إنّ سيطرنا على كامل المنطقة بين فلايفوستوك وسنغافورة... لن يقف شيء في وجه سطوتنا».