كم هم مقززون؟
استضاف أحد برامج التسعينيات التلفزيونية فتاة تدعى ماري غاليغر، وقد اشتهرت بقولها: «عندما أتوتر في بعض الأحيان، أضع يدي تحب إبطي ... ثمّ أشمّ الرائحة».
لقد اقترح العلم تبريراً لعادات غاليغر رغم غرابتها، فقد برهنت دراسة بحثيّة على أنّ الاشمئزاز من رائحة عرق الجسم أو روائح الأشياء المختلفة، يعتمد على من نعتقد بأنّه صاحب هذه الرائحة. نظرت الدراسة التي قادها جون دوري عن قرب إلى مدى التقزز الذي يصيب طلّاب الجامعة بعد شمهم لكنزات اعتقدوا بأنّها تعود لأحد طلّاب جامعتهم.
وبهدف تجربة هذه الفكرة، جلب المختبرون من جامعة سانت أندروز بعض الكنزات وطلبوا إلى مساعد البحث أن يرتدي ثلاثة كنزات مختلفة أثناء الركض، ثمّ وضعوا الكنزات المستعملة في صندوق بلاستيكي محكم الإغلاق. حملت إحدى الكنزات شعار جامعة سانت أندروز، وحملت الثانية شعار جامعة دوندي المحليّة المنافسة لسانت أندروز، أمّا الثالثة فكانت بيضاء تماماً دون شعار. قام بعدها المختبرون بتعيين عددٍ من الطلاب بشكل عشوائي ليشموا إحدى الكنزات تحت ستار كونها تجربة للكشف عن الفرمون.
ووضع الباحثون، من أجل قياس اشمئزاز الطلاب، استراتيجيّة بارعة سمحت لهم بتجنّب التحيزات المحتملة للإعلان الذاتي عن الاشمئزاز. وضعوا قبل البدء بالتجربة علبة معقّم لليدين في نهاية الغرفة، وقاسوا الوقت الذي يستغرقه الطلاب في الوصول إلى آخر الغرفة من أجل تعقيم أيديهم بوصفه معياراً لمدى الاشمئزاز، فكلما أسرعوا أكثر كان هذا دلالة على الاشمئزاز أكثر. وقد كشفت الدراسة، كما هو متوقع، عن أنّ الأشخاص الذين هرعوا بشكل أسرع إلى تعقيم أيديهم كانوا يشمون كنزات الغرباء عنهم، بينما الأقل اشمئزازاً هم الذين كانوا يشمون الكنزات التي تحمل شعار جامعتهم. يدلّ هذا على أنّ اشمئزاز الناس يتأثر بمن يعتقدون بأنّه مصدر الاشمئزاز.
وكانت نتائج القميص الذي يحمل شعار داندي أكثر وضوحاً. حاول الباحثون، إضافة إلى الإجراءات المذكورة أعلاه، أن يعيدوا تأطير هويّة الأشياء. قسموا الطلاب إلى مجموعتين: أخبروا إحدى المجموعتين بأنّهم يبحثون في سلوك الطلاب بشكل عام، وأخبروا المجموعة الثانية بأنّهم يبحثون في سلوك طلّاب جامعة سانت أندروز فقط. ثمّ طلبوا من التلاميذ المشاركين أن يكتبوا ثلاث سمات للطلاب عموماً أو لطلّاب جامعة سانت أندروز.
أدّى هذا التلاعب إلى تغيير كبير في ردود فعل الطلاب على كنزات جامعة داندي. بشكل محدد، اشمئزّ طلّاب مجموعة سانت أندروز بشكل كبير من كنزة جامعة داندي، وهرعوا إلى تعقيم يديهم بسرعة أكبر من التي استغرقوها عندما مضوا لتعقيم يديهم على إثر شمّهم لكنزة الغريب. وعلى النقيض من ذلك، فقد أظهر أفراد مجموعة «الطلاب العامين» اشمئزازاً أقل، دون استعجال القيام بتعقيم أيديهم. يعود السبب في ذلك إلى الطريقة التي يفكر فيها الإنسان بعضوية مجموعة. بالنسبة للطلاب في مجموعة سانت أندروز: تمّ تقديم كنزة داندي على أنّها من خارج المجموعة، أي العدو، ولهذا تعاملوا معها على أنّها غرض مقزز. أمّا في مجموعة الطلاب عموماً، فقد فكّر أعضاء المجموعة بأنفسهم على أنّهم طلاب وحسب، ولهذا فقد نظروا إلى الغرض على أنّه يعود لأحد أفراد المجموعة، أي لطالب زميل لهم. وعليه فقد تعاملوا معها على أنّها تعود لهم كمجموعة.
لهذه النتائج العديد من المعاني الضمنية المثيرة للاهتمام. أولاً وقبل كلّ شيء: إنّها تدعم فكرة أنّ الناس يفكرون في أعضاء مجموعاتهم الخاصة على أنّهم امتداد لأنفسهم. كانت ماري غاليغر تفضّل أن تشمّ عرق جسمها، وتمدّ الكائنات البشرية ذات النوع من اللين إلى الأشخاص الموجودين داخل دائرتهم الاجتماعية.
إضافة إلى ذلك، فإنّه يسلّط الضوء على الأثر العميق الذي تتركه عضويتنا في مجموعةٍ ما، على تصورنا للعالم. من المعروف بأنّ الناس يفضلون الأصدقاء وأفراد الأسرة وحتّى أعضاء المجتمع المحلي نفسه. تعزز مثل هذه الميول المجموعاتية الكثير من الانقسامات التي نراها في العالم اليوم مثل التوترات العرقية والدينيّة. من المذهل أن نرى مدى عمق هذه التحيزات، وامتدادها إلى أبعد من الميول الواضحة حول الأصدقاء والغرباء، بل كذلك حول ميول جوهريّة وثابتة مثل الاشمئزاز.
رغم ذلك، وبشكل أكثر إلهاماً، فإنّها تظهر مدى لدونة العضويّة في هذه المجموعات. فمجرّد إعادة تأطير هويّة الأشياء كان كافياً لتحويل تصوراتهم من كنزة غريبة إلى كنزة صديقة. يفسح هذا المجال أمام تدخلات هامّة قد يجري تشريعها في حالات الصراع بين الجماعات.