الطابعات ثلاثية الأبعاد و«العولمة المعكوسة»!
عامر سليمة عامر سليمة

الطابعات ثلاثية الأبعاد و«العولمة المعكوسة»!

نشر مركز الأبحاث الأمريكي الشهير ستراتفور في الأول من نيسان الماضي، وعلى موقعه الالكتروني، مقالاً جديداً عن الطابعات ثلاثية الأبعاد بوصفها إحدى أهم تقنيات «التصنيع بالإضافة» أو «Additive Manufacturing».

لا يركز المقال على الجانب التقني من هذه الصناعة التي تقوم ببناء منتجاتها طبقة فوق طبقة انطلاقاً من تصميم مسبق، بل يركز على الآثار المتوقعة لتطور هذه الصناعة بالمعاني الاقتصادية والسياسية الكبرى على المستوى العالمي..

يتنبأ كاتب المقال بأنّ عمليات التصنيع، وتحت تأثير تطور الطباعة ثلاثية الأبعاد، «ستهاجر مجدداً إلى الأمم الصناعية، حيث كانت سابقاً». ويبني الكاتب رأيه هذا على أنّ الصناعة باستخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد «سوف تقلل فرص الاستفادة من العمالة الرخيصة، ولكن المتدنية الكفاءة» التي تؤمنها بلدان «العالم النامي» والتي هاجرت (الصناعات/ رؤوس الأموال) نحوها خلال القرن الماضي، وخلال نصفه الثاني خاصة. كما يضيف أنّ من النتائج المتوقعة لتطور الطباعة ثلاثية الأبعاد، أن تقضي على «سلاسل الانتاج والتوزيع التقليدية الطويلة القائمة حالياً»، والمقصود هو شبكة انتاج- تسويق- استهلاك، التي تمر ببلدان عديدة، والتي تتطلب أحياناً تجوال البضاعة أو أجزاء منها من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب وصولاً إلى المستهلك، وذلك تحت تأثير المسافات الجغرافية بين المواد الأولية، وأماكن التصنيع ذات العمالة الرخيصة، وأماكن الاستهلاك ذات القدرات الشرائية العالية، بمقابل ذلك كلّه فإنّ الانتاج بالطابعات ثلاثية الأبعاد يسمح باختصار هذه الحلقة كلها ليصبح الانتاج منطبقاً جغرافياً على الاستهلاك، ما يعني أنّ عمليات التشابك الاقتصادي «المعولم» القائمة حالياً، ستلتغي الحاجة لها مع تطور هذه التقنية الصناعية، ليحل محلها «التصنيع والاستهلاك المحلي».  

يضيف الكاتب نتيجة أخرى، هي أنّ «الدول النامية» ربما ستتضرر من هذه التقنية، لأنّ رؤوس الأموال ستهجرها عائدة إلى دولها، لأنّ عمالة الدول النامية لن تكون قادرة على استيعاب التكنيك الجديد، كما أنّ الجدوى الاقتصادية من هذه العمالة تصبح منخفضة إذا ما قورنت بتكاليف النقل الكبرى التي يتطلبها إبقاء الصناعة بشكلها المعولم الحالي.

إنّ النتائج التي يضعها الكاتب في مقاله تحتاج إلى نقاش موسع، نقطة تلو الأخرى، ولكن الملفت في المادة، والذي يمكن الاتفاق به مع الكاتب بشكل مؤكد هو أنّ الطباعة ثلاثية الأبعاد تعد بثورة جديدة في عالم التصنيع، وليس في عالم التصنيع فقط بل وفي العالم عموماً بإحداثياته السياسية والاجتماعية والثقافية..