من هي التي اخترعت الزراعة؟
طوال القسم الأعظم من وجوده ما قبل التاريخي، عاش الإنسان في شروط من الفقر المدقع. ولم يكن للبشر من وسائل للحصول على القوت الضروري لعيشهم سوى القنص وصيد الأسماك وقطف الثمار. كانت البشرية تعيش دون سيطرة على هذه الموارد الطبيعية.
كانت المشاعات البدائية منظمة بشكل يضمن بقاءها الجماعي في شروط عيش بالغة الصعوبة. وكان كل فرد يشارك إلزامياً في العمل، حيث أن عمل كل فرد ضروري لبقاء المشاعة، وإنتاج القوت يكفي بالكاد لإطعام الجماعة. ولو وجدت امتيازات مادية لحكمت على قسم من القبيلة بالمجاعة وحرمتها من إمكانية العمل بصورة عقلانية، ونسفت بالتالي شروط البقاء الجماعي. هو ذا السبب الذي جعل التنظيم الاجتماعي، في تلك المرحلة من تطور المجتمعات البشرية، ينزع إلى المحافظة على حد أقصى من المساواة داخل الجماعات البشرية.
هذا الوضع من الفقر الأساسي لم يعدل بصورة ثابتة إلاّ بعد تكون تقنيات زراعة الأرض وتربية الحيوانات. إن الفضل في اكتشاف تقنية زراعة الأرض، وهو أكبر ثورة اقتصادية في وجود البشرية، يعود إلى النساء، كما يعود لهن فضل سلسلة من الاكتشافات الهامة الأخرى في ما قبل التاريخ (لاسيما تقنية الخزافة والحياكة). وقد تدعمت الزراعة منذ 15 ألف سنة قبل الميلاد، تقريباً، في أمكنة عديدة من الكرة الأرضية، بدءاً على الأرجح في آسيا الصغرى وسورية والعراق وإيران وتركستان، وامتدت تدريجيا إلى مصر والهند والصين وإفريقيا الشمالية وأوروبا المتوسطية. ويسمى انتشار الزراعة بثورة عصر الحجر المصقول لأنه حصل في عصر من العصور الحجرية كانت فيه أدوات عمل الإنسان الرئيسية مصنوعة من الحجر المصقول.
لقد جعلت ثورة عصر الحجر المصقول الإنسان قادراً على إنتاج قوته بنفسه وقادراً بالتالي -إلى حد ما- على التحكم ببقائه. وقد قلصت ارتهان الإنسان البدائي بقوى الطبيعة. وسمحت بتكوين مخزونات من المؤن، الأمر الذي سمح بدوره بتحرير بعض أعضاء المشاعة من ضرورة إنتاج قوتهم. هكذا أصبح بالإمكان تطور تقسيم اقتصادي للعمل، أي تخصص مهني، يزيد إنتاجية العمل البشري.
إن هذا الاعتراف الموجود في الأدبيات العلمية والتاريخية الأساسية، بكون المرأة السورية جزءاً أساسياً من اختراع الزراعة على مستوى البشرية، لا يوازيه اعتراف اجتماعي بهذه الحقيقة على الإطلاق.