التنوع الحيوي كأداة للتنمية
تعتبر سورية مهداً لحضارات عديدة توالت عليها عبر تاريخ يرجع إلى آلاف السنين. لقد سكن الإنسان هذه البقعة الخصبة منذ القدم واستفاد من خيراتها. إلا أن هذا الاستثمار قد أدى إلى تبدلات في النبات الطبيعي وتراجع الحيوان البري في أجزاء سورية جميعها سواء في الساحل أم في الداخل، في المناطق الجبلية أم في البادية.
بدأ تدجين النباتات وزراعتها في غرب آسيا منذ أكثر من عشرة آلاف سنة، كما اكتشفت منذ ذلك التاريخ عشرات الأنواع النباتية الاقتصادية المفيدة للإنسان وحيواناته المدجنة. ونقل الإنسان هذه النباتات المزروعة لتصبح محاصيل عالمية ذات أهمية اقتصادية استراتيجية.
تعتبر سورية مركز تنوع حيوي زراعي هام للمحاصيل الغذائية والعلفية والأشجار المثمرة. من أهم النباتات المزروعة: القمح والشعير والعدس والحمص والجلبانة والزيتون واللوز والأجاص والخوخ والنفل والبرسيم والنباتات الطبية والعطرية ونباتات الزينة. وتعد هذه النباتات تراثاً وأساساً للمزروعات في سورية والعالم.
دلت الدراسات والقراءات على الأوابد والآثار وأعمدة المدن التاريخية إلى أن التنوع الحيوي في سورية كان أكثر ازدهاراً ونضارةً في القرون الماضية. كما أشارت الدراسات التي دونها الباحثون العرب والرحالة الأجانب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وحتى بدايات القرن العشرين إلى وجود أعداد كبيرة من أنواع الكائنات الحية النباتية والحيوانية التي أصبحت الآن منقرضة في الحياة البرية على المستوى الوطني (الدب الأسمر السوري، الأيائل والغزلان، الحمار البري السوري). كما أقرت شهادات السكان والباحثين عن وجود النمر والفهد في الماضي اللذين يعتمد وجودهما على غزارة الغزلان والحمار البري السوري مصدر غذائهما الأولي. كما تعرض التنوع الحيوي وخاصة خلال القرنين الأخيرين إلى العديد من المخاطر والعوامل التي أدت إلى التراجع والتدهور.
إن الحفاظ على التنوع الحيوي كمصدر وراثي أصيل للتنوع يعتبر أحد أدوات التنمية القادمة، حيث تشكل مفردات التنوع الحيوي، قيمة اقتصادية مطلقة، أي لا يوجد منها ما وراء الحدود، وليس ذلك ترفاً علمياً كما يروج دعاة الشركات الغربية الذين يستدعون استلاب البذور الأجنبية مع ما تحمله من مخاطر خسارة المحاصيل في دورات الزراعة المتأرجحة للأنماط غير الوطنية، وتعتبر المصادر المحلية الصيدلانية من النباتات ثروة لم تستثمر بعد.
كنز لم نستكشفه بعد، فهل ندمره قبل استكشافه؟ سؤال نطرحه على أنفسنا لنقرأ الجواب.