من أجل مصلحتها تكافح فيتنام للموازنة بين الصين وأمريكا
تشاو ويهوا تشاو ويهوا

من أجل مصلحتها تكافح فيتنام للموازنة بين الصين وأمريكا

عندما غادر وزير الخارجية الأمريكي بلينكن جنازة الأمين العام للحزب الشيوعي الفيتنامي نغوين فو ترونج، تلقّت فيتنام إشعاراً من الولايات المتحدة: رفضت الولايات المتحدة الاعتراف بوضع فيتنام الاقتصادي. لم يكن هذا الأمر أقل من صاعقة بالنسبة لفيتنام، فهو لم يحطم على الفور حلم فيتنام الذي طال انتظاره بالحصول على اعتراف الولايات المتحدة بوضعها «كاقتصاد سوق»، بل إنّه وجّه أيضاً ضربة قوية للعلاقات الفيتنامية الأمريكية. لا يمكن تلخيص خيبة أمل فيتنام في كلمة «خيبة الأمل» التي ذكرها المتحدث باسم وزارة الخارجية رداً على استفسارات وسائل الإعلام في الرابع من الشهر الجاري.

ترجمة: قاسيون

لكن لماذا تقدّر فيتنام مكانة «اقتصاد السوق» التي منحتها الولايات المتحدة إلى هذا الحد؟ يرتبط ذلك ارتباطاً وثيقاً بخصائص اقتصاد فيتنام، وعلاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الولايات المتحدة: فيتنام هي اقتصاد ناشئ يعتمد بشكل كبير على التجارة الخارجية منذ عام 2000. حافظ معدّل النمو الاقتصادي في فيتنام على درجة عالية من الارتباط الإيجابي مع حجم تجارتها الخارجية، وخاصة فائضها الاقتصادي المرتبط بفائض التجارة الخارجية. في الأعوام العشرين الماضية، تزامنت فترات الذروة والانخفاض التي شهدها النمو الاقتصادي في فيتنام تقريباً مع الذروة والانخفاض في فائض التجارة الخارجية.
على سبيل المثال: في عام 2019، بلغ إجمالي التجارة الخارجية لفيتنام 516.96 مليار دولار أمريكي، مع فائض قدره 9.9 مليار دولار أمريكي، مما خلق ارتفاعاً جديداً في الفائض التجاري منذ عام 2015. كما وصل معدّل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوى مرتفع جديد قدره 7.02٪ في عام 2020. لكن بسبب تأثير وباء كوفيد-19، تأثرت التجارة الخارجية لفيتنام بشكل كبير، مما تسبب في انخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.91%، وهو مستوى منخفض جديد للنمو الاقتصادي خلال 20 عاماً. في عام 2022، خرجت فيتنام من تأثير الوباء، حيث وصل حجم التجارة الخارجية إلى 732.5 مليار دولار أمريكي، بزيادة قدرها 11.45٪ عن العام السابق، وفائض تجاري قدره 11.2 مليار دولار أمريكي، بزيادة حادّة قدرها 8 مليارات دولار أمريكي عن العام السابق، ومعدّل نمو سنوي للناتج المحلي الإجمالي قدره 8.02%، وهو مستوى قياسي مرتفع خلال 20 عاماً.
من حيث إجمالي التجارة الخارجية، فإنّ أكبر ستّة شركاء تجاريين لفيتنام هم الصين والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وآسيان والاتحاد الأوروبي واليابان، حيث بلغ حجم التجارة معهم على التوالي: 234.92 مليار دولار أمريكي، و123.859 مليار، و86.382 مليار، و81.304 مليار، و62.248 مليار، و47.606 مليار، وهو ما يمثل حوالي 80٪ من إجمالي التجارة الخارجية لفيتنام.
وعلى الرغم من أنّ الصين هي أكبر شريك تجاري لفيتنام من حيث إجمالي حجم التجارة، فمن منظور الفائض، فإن أهم الشركاء التجاريين، هما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. بلغت الفوائض في عام 2022 94.7 مليار دولار أمريكي و31.8 مليار دولار أمريكي على التوالي. على العكس من ذلك، يصل عجز فيتنام التجاري مع الصين إلى 60.2 مليار دولار.
الولايات المتحدة ليست أكبر سوق لصادرات فيتنام فحسب، بل إنّها تمثّل أيضاً أكثر من ثلثي الفائض الإجمالي لفيتنام. بالنسبة لفيتنام، التي تعتمد بشكل كبير على الفائض التجاري، فإنّ دور الولايات المتحدة والعلاقات الاقتصادية والتجارية الفيتنامية الأمريكية في التنمية الاقتصادية لفيتنام واضح، ولهذا السبب تقدر فيتنام كثيراً اعتراف الولايات المتحدة باقتصاد السوق الخاص بها.

السعي لاحتواء الصين

لكن كما أنّ الولايات المتحدة مهمة جداً بالنسبة لفيتنام، فإنّ فيتنام تتمتع أيضاً بموقع استراتيجي مهم للغاية بالنسبة للولايات المتحدة. منذ الإصلاح والانفتاح، وبعد ما يقرب من 40 عاماً من التنمية، تطوّرت فيتنام من دولة فقيرة ومتخلفة إلى اقتصاد ناشئ يتمتع بإمكانات كبيرة. إنّها تتمتع بسوق داخلية ضخمة حيث يبلغ عدد سكانها أكثر من 100 مليون نسمة، ويبلغ إجمالي الناتج المحلي 430 مليار دولار أمريكي، ويبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 4280 دولاراً أمريكياً.
ومع استمرار مكانتها الدولية في الارتفاع، فإن مكانتها الجيوستراتيجية تتزايد يوماً بعد يوم. بعد اشتداد المنافسة الاستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة، حاولت الولايات المتحدة بأقصى طاقتها تحويل فيتنام إلى نقطة ارتكاز استراتيجية لاحتواء الصين، واقترحت مراراً وتكراراً رفع مستوى العلاقات الفيتنامية الأمريكية وجذب فيتنام إلى الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ في محاولة لتحويل فيتنام إلى شريك موثوق للولايات المتحدة للانفصال عن الصين.
على سبيل المثال: لكي تتعاون فيتنام مع الولايات المتحدة في احتواء الصين، أكّد السياسيون الأمريكيون لفيتنام مراراً وتكراراً: أنّ الولايات المتحدة تحترم النظام الاجتماعي في فيتنام، ولا تسعى إلى تخريبه. في عام 2022، وقّعت الولايات المتحدة وفيتنام وكوريا الجنوبية اتفاقية تعاون للأتربة النادرة، بهدف الاعتماد على احتياطيات فيتنام الغنية بالأتربة النادرة والمزايا التقنية التي تتمتع بها. كان ذلك جزءاً من سعي الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية لكسر احتكار الصين في مجال التربة النادرة.
مع ذلك، فقد التزمت فيتنام دائماً بموقفها الراسخ المتمثّل في الحفاظ على التوازن بين الصين والولايات المتحدة. بعد فترة وجيزة من تحسّن العلاقات الفيتنامية الأمريكية، توصّل زعيما الصين وفيتنام إلى توافق حول بناء مجتمع صيني فيتنامي مشترك في المستقبل. أصاب هذا الولايات المتحدة بخيبة أمل شديدة. على الرغم من أن بعض الأشخاص في الولايات المتحدة والغرب استمروا في تشويه سمعة مجتمع المستقبل المشترك بين الصين وفيتنام من خلال التعبير عن الخلافات بين البلدين، فمن الصعب إنكار أن الصين وفيتنام تجمعهما علاقة أكبر من التعاون الاستراتيجي الشامل بين فيتنام والولايات المتحدة.
لا ينبغي أن يكون التحرّك الأمريكي قراراً مؤقتاً. في الواقع، أصيبت الولايات المتحدة بخيبة أمل منذ اللحظة التي توصلت فيها الصين وفيتنام إلى توافق حول مجتمع ذي مستقبل مشترك، ولكن تعمقت خيبة الأمل هذه بعد انتخاب سو لين رئيساً للبلاد، فقد بنى سمعته كمحارب للفساد، وصرّح علناً بأنّه لن يسمح لأيّ قوات باستخدام بلاده، ناهيك عن كونه من دعاة التقارب مع الصين. يُظهر القرار الأمريكي النهائي أنّ فيتنام والولايات المتحدة على الأرجح لم تتوصلا إلى اتفاق. توقعت الولايات المتحدة أن تتعاون فيتنام مع الولايات المتحدة في احتواء الصين. بينما توقعت فيتنام مواصلة التعاون مع الصين والولايات المتحدة للحفاظ على التوازن بينهما.
إن القرار الأمريكي هو في الواقع قرار أمريكي للغاية، ويسمح مرة أخرى للعالم الخارجي بفهم الأسلوب الدبلوماسي الأمريكي. القرار الأمريكي ليس أكثر من ضغط على سو لين والقيادة الفيتنامية الجديدة في محاولة للتأثير على اتجاه العلاقات الصينية الفيتنامية. على المدى الطويل، لا تزال مكانة فيتنام في الاستراتيجية الجيوستراتيجية الأمريكية في ارتفاع. تريد الولايات المتحدة فقط استخدام مكانتها في اقتصاد السوق كأداة للفوز على فيتنام. مع ذلك، انطلاقاً من موقف فيتنام في الاستراتيجية الخارجية الأمريكية، لا يمكن للولايات المتحدة أن ترفض دائماً الاعتراف بوضع فيتنام الاقتصادي. وبعد أن تحصل على المكافآت التي تأمل فيها، فإنّها ستعترف في النهاية بوضع فيتنام الاقتصادي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1188
آخر تعديل على الأحد, 18 آب/أغسطس 2024 21:38