الحاجة لمراكز أبحاث بديلة عن مراكز الأبحاث الأمريكية
«نهاية التاريخ»، و«صراع الحضارات»، و«إمبريالية الدائنين» -كلّها كلمات طنانة عالمية اقترحتها مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية الشهيرة. إنّها توجّه سرد الخطاب الدولي وتجعل باحثي مراكز الأبحاث الدولية يتساءلون: سيكون لديهم مراكزهم الخاصة القادرة على صياغة رأي عام عالمي؟
ترجمة: قاسيون
في عام 2013، اقترح صنّاع القرار المركزيون في الصين لأول مرة «نوعاً جديداً من مراكز الأبحاث ذات السمات الصينية»، حيث أصبح وضع التطوير المستقبلي واتجاه مؤسسات الفكر والرأي من القضايا المهمة التي تهم الدوائر الفكرية في الصين.
لدى الكثيرين سوء فهم حول «مهنة مراكز الأبحاث». يعدّ «الناطق بلسان الدعاية» أحد مواطن سوء الفهم، والآخر هو أن «مراكز الفكر» هي مجرّد أماكن لكتابة المراجع الداخلية والإبلاغ عن توصيات السياسة. في الواقع، وظيفة مؤسسات الفكر والرأي أكثر تعقيداً بكثير ممّا يتصوّره الناس. في بحثي الأكاديمي لعام 2014 بعنوان «إعادة بناء مراكز الفكر الصينية»، اقترحت أربع وظائف لمراكز الفكر: «تقديم المشورة للحكومة»، و«تنوير الشعب»، و«رعاية المواهب»، و«إجراء الاستراتيجيات».
لدى مؤسسات الفكر والرأي وظائف معقدة للغاية. بكل بساطة، الهدف الواقعي للبحث الأكاديمي هو نشر الأوراق البحثية. بعد نشر الورقة، تنتهي مهمة العمل الأكاديمي بشكل أساسي. ولكن هذا ليس هو الحال بالنسبة لمؤسسات الفكر والرأي. يحتاج باحثو مراكز الأبحاث إلى تقديم تفسيرات عامة، أو تقديم تفسيرات عامة للعالم الخارجي، وتنفيذ الدبلوماسية العامة، والتواصل مع مؤسسات الفكر والرأي في البلدان الأخرى، وما إلى ذلك.
إنّ الهدف الوظيفي لصناعة مراكز الأبحاث هو خدمة استشارة صنع القرار الحكومية، ويرتبط ذلك ارتباطاً وثيقاً بالحكومة. التفاعلات اليومية المتكررة مع الحكومة هي ما ينبغي أن تكون عليه المهنة. إن عمل مؤسسات الفكر والرأي لا يتعلق بالعمل خلف الأبواب المغلقة، ولا يتعلق بالحديث عن «المسؤولين». إن المطالبة «بالاستقلال» المطلق إما يهدف إلى خلق انطباع ساذج للترفيه عن النفس، أو لتعمّد إخفاء أسرار الارتباط مع مؤسسات أخرى. واستناداً إلى سنوات خبرتي العديدة في التعامل مع الولايات المتحدة والكشف عن العديد من المعلومات العامة، فإن مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية تنتمي إلى نظام شبكة اجتماعية وسياسية معقدة، وتتمتع بعلاقات وثيقة مع الدوائر السياسية والمؤسسات ووسائل الإعلام.
ومن منظور سياسي، فإن آلية «الباب الدوار» تخلق تزاوجاً وتناوباً غامضاً بين مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية من جهة، والحكومة من جهة أخرى. على سبيل المثال، يتعيّن على مؤسسات الفكر والرأي في بعض الأحيان، من أجل زيادة نفوذها في عملية صنع القرار، أن تلبي احتياجات الحكومة. على سبيل المثال، من أجل تقديم المزيد للحكومة المقبلة، يكون على المسؤولين الرهان على مرشح رئاسي معين.
من الناحية المالية، فإنّ التبرعات المقدّمة من مجموعات المصالح تجعل من الصعب على مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية القيام بعمل ينحرف عن أهداف التبرّع. على سبيل المثال، عندما يعبّر الباحثون في مراكز الأبحاث الأمريكية عن آرائهم وينشرون التقارير، يجب عليهم أن يأخذوا في الاعتبار أيديولوجية الجهة المانحة، وتفضيلاتها السياسية، وتوجهاتها القيمية. ومن أجل تلبية احتياجات الجمهور الإعلامي الثابت، غالباً ما يستسلم الباحثون في مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية للعناوين المثيرة والمتطرفة ويفقدون جديتهم وموضوعيتهم.
ما الفارق بين مراكز الأبحاث الغربية والصينية؟
من ناحية، ننتقد مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية باعتبارها تخدم السياسات مثل آلاتٍ للدعاية. ومن ناحية أخرى، نعتقد أن مؤسسات الفكر والرأي الصينية لا بدّ وأن يكون لها صدى لدى الحكومة والأوساط الأكاديمية. ويتعيّن على الحكومة أن تقوم بتوجيه مؤسسات الفكر والرأي، ويجب على مؤسسات الفكر والرأي أن تقدم المشورة للحكومة وأن تعمل على تعزيز السياسات.
ما هو الفارق الجوهري بين مؤسسات الفكر والرأي الصينية ومؤسسات الفكر والرأي الأوروبية والأمريكية؟ الفرق الأساسي بين مؤسسات الفكر والرأي الصينية ومراكز الفكر الأوروبية والأمريكية هو أنّ الصين دولة اشتراكية تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني وتحتاج إلى تعزيز الأهداف الأساسية المتمثلة في خدمة البلاد بالمعرفة والأفكار.
في السنوات الأخيرة، قدّمت مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية، بوعي أو بغير وعي، العديد من الأفكار السيئة للحكومة الأمريكية. على سبيل المثال، في عام 2001، بعد أن تولى جورج دبليو بوش منصبه، انسحب من بروتوكول كيوتو لمكافحة الاحتباس الحراري الذي صدقت عليه 183 دولة. وبعد وصول ترامب إلى السلطة، انسحب من اتفاق باريس الذي وقعته نحو 200 دولة. وخلف الكواليس، كانت مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية تعمل على تأجيج النار لذلك. يتم تمويل بعض مؤسسات الفكر والرأي في الولايات المتحدة من قبل شركتي الطاقة العملاقتين كوتش إندستريز وإكسون موبيل، اللتين تسببان قدراً كبيراً من التلوث، وقد أطلقت هذه المؤسسات حركة متعصبة «مناهضة لتغير المناخ».
ممّا زاد الطين بلة، أن المناخ السياسي الأمريكي، في السنوات الأخيرة، انزلق بشكل متزايد إلى عقلية الحرب الباردة والمكارثية الجديدة المناهضة للصين والشيوعية. تستمر مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية مثل الكونغرس ومركز التقدم، في نشر تقارير مراكز الأبحاث حول احتواء الصين، مما يشير إلى منافسة استراتيجية شاملة مع الصين، وتدهور العلاقات الصينية الأمريكية، وتعريض العالم لخطر جسيم يتمثل في ظهور حرب باردة جديدة.
بالإضافة إلى ذلك، عندما يتعلق الأمر بالقضايا الدولية، اعتادت مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية على التحدث علناً، لكنها تميل في الأساس إلى التوصية باستخدام قمع الهيمنة للتعامل مع الاختلافات. وخاصة فيما يتعلق بمسألة الصراع الروسي الأوكراني، أدانت مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية بأغلبية ساحقة روسيا وأيدت فرض عقوبات صارمة ضد روسيا. ولم تفكر على الإطلاق في «إثارة» و«تحريض» الولايات المتحدة في الصراع الروسي الأوكراني على مر السنين، الأمر الذي جعل الوضع أسوأ. أصبحت الولايات المتحدة أكبر مثير للمشكلات في الصراعات الدولية. وفيما يتعلق بالقضايا المحلية، سواء تعلق الأمر بمشكلات التأمين الصحي، أو معضلات إطلاق النار، أو الاختلافات العرقية، أو الأزمات المالية، أو مخاطر التضخم، فإن الآلاف من مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية فشلت أيضاً في تقديم الوصفة الصحيحة.
تميل العديد من مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية إلى الحفاظ على وضع الولايات المتحدة المهيمن من خلال تقديم المشورة للحكومة حول كيفية تدمير العالم، مثل إثارة الصراعات الإقليمية، في حين أن معظم مؤسسات الفكر والرأي الصينية تميل إلى تحقيق صعود الصين من خلال دعم الحكومة في كيفية بناء العالم، مثل تعزيز البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق. ومن هذا المنظور، فإن الافتقار إلى الطاقة الإيجابية لدى مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية في مساعدة التنمية الوطنية والتقدم البشري هو سبب مهم للضعف النسبي للولايات المتحدة منذ القرن الحادي والعشرين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1160