قراءة في أوراق مصر 2020 مستقبل سياسة «الإصلاح الاقتصادي» بمصر في ظل نظام العولمة ما مستقبل سياسة الإصلاح الاقتصادي في ظل نظام العولمة؟
في محاولة للإجابة على هذا السؤال وضع الفريق المركزي لمشروع «مصر 2020» الصادر عن منتدى العالم الثالث التابع للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة سيناريوهات رئيسة تعبر عن خيارات مطروحة في الساحة المصرية من جانب القوى السياسية المختلفة، وهذه السيناريوهات هي:
1 - سيناريو مرجعي أو اتجاهي يعبر عن المحافظة على الاتجاهات العامة الراهنة.
2 - ثلاثة سيناريوهات تدعى الابتكارية في عنصر أو أكثر من العناصر الحاكمة لحركة المجتمع المصري وهي: سيناريو «الدولة الإسلامية»، وسيناريو «الرأسمالية الجديدة»، وسيناريو «الاشتراكية الجديدة».
3 - سيناريو «التآزر الاجتماعي» أو «السيناريو الشعبي» المعبر عن حل وسط يمكن أن تلتف حوله قطاعات عريضة من الشعب المصري.
وما يهمنا في هذا الإطار هو السيناريو المرجعي الذي يطلق عليه السيناريو الاتجاهي أو الامتدادي، وذلك لاعتباره أن الوضع القائم مستمر في خطوطه العامة ولافتراضه استقرار المجرى الرئيسي لحركة المجتمع نحو المستقبل، ومن ثم فليس مطروحاً في هذا السيناريو ظهور تغيرات جوهرية في النمط الحالي لردود فعل السلطة الحاكمة والمفاعيل الاجتماعية الأخرى إزاء التغيرات المحلية والإقليمية والعالمية، كذلك يظل هيكل القوى الاجتماعية السياسية الغالبة على الحكم، وكذلك هيكل النخبة السياسية الحاكمة المرتبطة بها محتفظاً بسماته الرئيسية، بالرغم من احتمال تغير الوزن الخاص بقوة أو أخرى من القوى الداخلة في التحالف المسيطر أو النخبة الحاكمة عبر الزمن.
ومن أهم سمات هذا السيناريو، التسليم بالعولمة، مع غياب استعداد كاف للتعامل الإيجابي معها والاستفادة منها - الاعتماد على القطاع الخاص وعلى آليات السوق في التنمية - مع حصر دور الدولة في تنمية البنية التحتية والخدمات الاجتماعية الأساسية - ديمقراطية محدودة وتعددية شكلية مع إجراءات تكفل استمرار القوى الاجتماعية السياسية في السلطة نفسها- تبعية تكنولوجية وهشاشة اقتصادية وهامش ضيق للتحرك السياسي المستقل - تشتت للموارد على جبهة واسعة دون بروز أولويات واضحة في تخصيصها - تقدم يحرز في بعض النواحي، لكنه مرتفع التكلفة ومصحوب بمستوى مرتفع لإهدار الموارد - فساد على نطاق واسع، وانخفاض ملحوظ في كفاءة إدارة شؤون المجتمع والدولة.
وهذا السيناريو يقبل العولمة قبولاً كاملاً، لكن قبوله إياها غير مرتبط باتخاذ إجراءات جادة للاستفادة مما تتيحه من فرص ولتفادي ما تؤدي إليه من مخاطر، وبخاصة إجراءات إعادة ترتيب البيت من الداخل لتقوية القدرة التنافسية، ومفهوم الاستقلال هنا مرتبط بالجوانب الأمنية والعسكرية أكثر مما هو مرتبط ببناء قدرة ذاتية اقتصادية وعلمية وتكنولوجية، والتنمية في هذا السيناريو تعتمد في الأساس على مبادرات القطاع الخاص الذي لا يبدو أنه يمتلك مشروعات متكاملة للتنمية، وعلى اجتذاب رأس المال الأجنبي الذي يعامل على قدم المساواة مع رأس المال المحلي، كما تعتمد التنمية بصفة رئيسية على آليات السوق، وفى هذا السيناريو يتراجع دور الدولة في مجال الاستثمار والإنتاج، ويكاد ينحصر في مجال البنية الأساسية والمرافق العامة شاملة مشروعات الري والصرف واستصلاح الأراضي على نطاق واسع والتي لم يعد بعضها حكراً على الحكومة، وقد سمح للقطاع الخاص بالاستثمار فيها كالموانئ والمطارات، ويرحب بأي نشاط خاص في هذا السيناريو دون تمييز بين المجالات (إنتاج سلعي - خدمات) ودون تمييز بين طبيعة النشاطات (إنتاجية - طفيلية) وتستمر الدولة في تصفية القطاع العام، بينما يتنامى النشاط الاقتصادي المدني وتزداد أهميته داخـل المؤسسة العسكرية.
ويدور الاقتصاد في بداية هذا السيناريو في دائرة إنتاجية العمل المنخفضة والصناعات ذات القيمة المضافة المنخفضة، وهذا مرتبط بانخفاض معدلات الادخار والاستثمار، وتواضع دور العلم في الإدارة، وحالة التعلم والتكنولوجيا، واستمرار اعتماد الصناعة بصفة أساسية على الصناعات التجميعية وعلى تصنيع الخامات المحلية، وكذلك تصدير نسبة عالية من المواد الأولية دون تصنيع وتعاني الصناعات التقليدية (كالمنسوجات والغذاء) في بداية السيناريو من المنافسة الأجنبية غير المتكافئة المترتبة على تحرير الاقتصاد وتطبيق اتفاقات منظمة التجارة العالمية.
وفى ظل هذا السيناريو فإن المنطق الحاكم لتعامله مع مشكلة الفقر هو أن النمو الاقتصادي كفيل بحل هذه المشكلة على المدى الطويل، وإلى أن يتحقق ذلك، فإن الدولة تقدم عوناً محدوداً للفقراء من خلال برامج الدعم والضمان الاجتماعي ومشروعات الصندوق الاجتماعي وغيرها مما صار يطلق عليه شبكات الأمان، وفيما يتعلق بقضية البطالة، فإن ضعف معدلات النمو الاقتصادي وغياب ضوابط على التكنولوجيا الوافدة (وبخاصة من حيث قدرتها على تشغيل الأيدي العاملة) يقلصان كثيراً من قدرة هذا السيناريو على مواجهة رصيد البطالة القائم والإضافات الجديدة إليه، أما فيما يتعلق بالفساد، فمن غير المتوقع حدوث مواجهة تذكر معه، وذلك بالنظر إلى تقليص فرص المشاركة وغياب آليات فعالة للتصحيح وقصور الأداء الإداري في الجهاز الحكومي واستمرار الأنشطة الطفيلية في هذا السيناريو وأخيراً، وفيما يتعلق بنوعية التعامل مع الإساءة المحتملة للشعور الوطني، فإن النظام الحاكم يتفادى أي صدام مع «إسرائيل» ويتغاضى عن استفزازاتها في بعض الأحيان «إن لم يكن أغلبها»، كما يتسمر الموقف المساير للقوى الكبرى «وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية»، وهكذا فسوف يستمر الشعور بالتبعية للقوى الكبرى "وبخاصة أمريكا" والهشاشة إزاء ضغوطها.
ومن أهم سمات نسق القيم في مثل هذا السيناريو إعلاء شأن الفردية، والقدرة على الكسب السريع بغض النظر عن مشروعية الوسائل، وتقوية النزعات الاستهلاكية، وتراجع الاهتمام بالعلاقات الأسرية، والاستهانة بالقوانين واعتبار القدرة على التحايل عليها أقرب إلى الفضيلة منها إلى الرذيلة، كما يغلب على هذا السيناريو الشعور بضعف الثقة في النفس، والاستهانة بالقدرات المصرية والعربية، والتسليم المطلق بتفوق الشمال، واليأس من اللحاق بركب التقدم، ومن ثم التسليم بالوضع الهامشي لمصر على خريطة الاقتصاد والسياسة العالمية كما لو كان قدراً محتوماً لا سبيل إلى الفكاك منه.
والمفارقة المدهشة حقاً، أن هذا السيناريو قد تم الانتهاء منه في عام 1998، وبقراءة ما جاء على لسان رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في المؤتمر السنوي الثاني للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم (سبتمبر 2004) فإن المفارقة هنا تكون، على الرغم من دهشتها، مأساوية حقاً، إذ أن التوقعات في السيناريو المرجعي «أو الاتجاهي أو الامتدادي»، قد أصابت كبد الحقيقة وكأنها تقرأ في كتاب مفتوح، سطوحه واضحة، وكلماته مضيئة.
وفى النهاية، فإن مستقبل سياسة «الإصلاح الاقتصادي» في ظل «نظام العولمة» سيؤدي إلى عدم مشاركة مصر على نحو متميز في جهود إعادة صياغة النظام العالمي، أو في تعديل الاتفاقات الدولية لصالح الجنوب، خاصة مع تراجع نشاط مجموعة الدول الخمس عشرة في أعقاب الأزمة الآسيوية، واختلاف ردود فعلها تجاه الأزمة، بل إن مصر ستبتعد كلياً عن إستراتيجية مواجهة الجنوب للشمال، وتستمر العلاقات قوية مع الولايات المتحدة مع احتمال تراجعها بعض الشيء مع تنامي العلاقات مع أوروبا - «والصين»- كما تستمر العلاقات النشطة، وإن كانت غير متكافئة مع الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات المالية الدولية، وأخيراً، يتزايد خضوع مصر طبقاً لهذا السيناريو للآليات الدولية للرقابة والضبط والتفتيش والمراجعة في مجال البحوث والتطوير والأنشطة ذات الطبيعة المزدوجة (مدنياً وعسكرياً) وذلك إضافة إلى المراجعة والرقابة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية.