«الحزام والطريق»:  ليست نسخة صينية عن «مارشال»..!

«الحزام والطريق»: ليست نسخة صينية عن «مارشال»..!

في رده على سؤال طرحه أحد المراسلين الصحفيين الأجانب، حول أن بعض الناس يشبه مبادرة «الحزام والطريق» الصينية  بما عرف بـ«خطة مارشال»، أشار وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، بوضوح: «فكرة الحزام والطريق أعرق بمرات من خطة مارشال، ولا يمكن المقارنة بينهما أصلاً».

تعرف خطة «مارشال» بـ«برنامج التعافي الأوروبي»، وهي خطة لمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في إعادة إعمار الدول الأوروبية الغربية، وتقديم «المساعدة الاقتصادية»، بعد وقت قصير من الحرب العالمية الثانية. 

دفعت «خطة مارشال» الدول الأوروبية المعنية نحو تحقيق «الانتعاش» بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنها شجعت على إنشاء منظمة حلف شمال الأطلسي «الناتو»، ومتنت نظام «بريتن وودز» الأمريكي، مما أدى إلى انقسام أوروبا، ودفع الولايات المتحدة الأمريكية لتغدو المستفيد الأكبر من «مارشال». وإذا قمنا بالتحليل الدقيق والمقارنة الجادة بينها وبين مبادرة «الحزام والطريق» التي طرحتها الصين، فليس من الصعب أن نجد تبايناً جوهرياً بينهما.

الهيمنة مقابل المنفعة المتبادلة

أولاً، فإن الخلفية العصرية متباينة إلى حد كبير. طرحت الولايات المتحدة الأمريكية «خطة مارشال» قاصدةً تحقيق إنعاش الدول الرأسمالية الأوروبية في أسرع وقت ممكن بعد الحرب، ومنع الأحزاب الشيوعية في اليونان وإيطاليا- ودول أخرى- من الاستيلاء على السلطة، وقد استفادت الولايات المتحدة من وضع الترقب الأوروبي لعمليات الانتعاش والاضطراب السياسي بعد الحرب، ذلك من أجل جمع القوى ضد الاتحاد السوفيتي والدول الشيوعية. وقد كان «مبدأ ترومان» في الاقتصاد، يخدم الهيمنة العالمية الأمريكية في نهاية المطاف.

في المقابل، ليس لمبادرة «الحزام والطريق» أية خلفية مرتبطة بالحرب الباردة. ولكونها تشكل «نهضة حديثة لطريق الحرير القديم»، فإن مبادرة «الحزام والطريق» هي وريثة لروح طريق الحرير المتمثلة في «السلام والتعاون، والانفتاح والتسامح، والتعلم المتبادل والاستفادة المتبادلة، والمنفعة المتبادلة والفوز المشترك». نرحب بأن تشترك فيها مختلف دول العالم والمنظمات الدولية والإقليمية بنشاط. وبصفتها مبادرة للتعاون الدولي، تكون مبادرة «الحزام والطريق» نتيجة لتحول الصين إلى قوة هامة لدفع النمو الاقتصادي العالمي.

بين القيود والبناء المشترك

ثانياً، تتباعد أهداف التنفيذ بشكل واسع. إذ كان الهدف من «خطة مارشال» إعادة الاقتصاد الأوروبي- بواسطة «المساعدة» الأمريكية- ليصبح أداة هامة في مواجهة الاتحاد السوفيتي، ولتسيطر الولايات المتحدة الأمريكية على السوق الأوروبي حتى تحتلها. وكانت لـ«خطة مارشال» شروط سياسية إضافية قاسية، كما استبعدت كل الدول القريبة من الاتحاد السوفياتي في أوروبا. 

حتى الحلفاء، وضعت الولايات المتحدة لهم معايير وقواعد لا يمكن للدول التابعة إلا أن تقبلها دون قيد أو شرط. وقد أثبتت «خطة مارشال» بشكل جلي النوايا الاستراتيجية لواشنطن في السيطرة على أوروبا، وقبل كل شيء لمواجهة الاتحاد السوفييتي.

على العكس، فإن مبادرة «الحزام والطريق» هي منصة للتعاون المشترك للدول المعنية، وتؤكد على مبدأ «المشاورة المشتركة، والبناء المشترك، والتمتع المشترك»، وتدعو إلى إرساء قواعد نمط جديد للعلاقات الدولية، وأسلوب جديد للتعاون الإقليمي في القرن 21. وقد بنيت هذه المبادرة على أساس دفع البلدان المعنية إلى القيام بالتبادلات الاقتصادية والثقافية، لتحقيق التنمية المشتركة دون إملاءات.

«العالم الثالث» شريكاً..

شملت الدول المشتركة في «خطة مارشال» الولايات المتحدة الأمريكية  بالإضافة إلى الدول الرأسمالية الأوروبية. يمكن وصف الخطة بأنها «مساعدة» من «العالم الأول» إلى «العالم الثاني»، بينما تم استبعاد دول «العالم الثالث».

في المقابل، تتخذ مبادرة «الحزام والطريق» من البلدان الواقعة على طريق الحرير البري القديم، وطريق الحرير البحري القديم أساساً، ليمتدا إلى دول أخرى- معظمها من الدول النامية والناهضة- وتشمل دولاً متقدمة أيضاً. كما تساعد هذه المبادرة على تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل الثقافي بين الدول النامية، وتدفع نحو تحقيق التكامل في مكامن التفوق التي تتميز بها كل دولة، ونحو التنظيم الاقتصادي بين «أنواع مختلفة» من الدول، وفتح نمط جديد للتعاون فيما بين بلدان الجنوب، إلى جانب التعاون الإقليمي، والتعاون العابر للقارات.

الاختلاف في المضامين

إن المضمون الرئيسي لـ«خطة مارشال» هو أن تقدم الولايات المتحدة الأمريكية «المساعدة في الموارد المادية، والعملة، والعمالة، والدعم السياسي» للدول الأوروبية الغربية. ووفقاً لمتطلبات هذه الخطة، من اللازم أن تستخدم الدول الأوروبية «المساعدات» المالية التي تتلقاها في شراء البضائع الأمريكية فقط، وعليها أن تلغي التعريفات الجمركية في أقرب وقت ممكن، وتلغي أو تخفف قيود النقد الأجنبي، ويجب أن تخضع هذه الدول لمراقبة الولايات المتحدة، وتقدم المواد الاستراتيجية التي تنتجها أو تنتج مستعمراتها للولايات المتحدة الأمريكية، وضمان حقوق الاستثمار الخاص الأمريكي وتنميته. 

والنتيجة من كل ما سبق، هي أن الولايات المتحدة قد حصلت على كمية كبيرة من الصادرات إلى أوروبا، وأصبح الدولار الأمريكي عملة رئيسية للحساب في تجارتها مع الدول الأوروبية الغربية، ودفع الهيمنة المالية الأمريكية خطوات إلى الأمام بعد الحرب العالمية الثانية. إلى جانب ذلك، كانت «خطة مارشال» تشمل أيضاً خفض التجارة مع البلدان الاشتراكية، والتخلي عن عمليات «التأميم».. وغير ذلك.

خلافاً للشكل الأحادي المهيمن في «خطة مارشال»، تتميز «الحزام والطريق» بأنها تسمح للصين بأن تتقاسم مع البلدان الواقعة في خط المبادرة إنتاج الطاقة الممتازة، والتشاور المشترك حول الاستثمار في مشروعات البنية التحتية، والتمتع بثمار التعاون معاً. كما تعتمد المبادرة على التواصل السياسي، وترابط المنشآت، وسهولة التجارة، وتمكين القطاعات الحكومية.

التباينات في عملية التنفيذ

جرى تنفيذ «مارشال» رسمياً في 7/1947، واستمر أربع سنوات مالية. وخلال هذه الفترة، تلقت الدول الأوروبية أكثر من 13 مليار دولار أمريكي من «المساعدات» الأمريكية المالية والتكنولوجية، تعادل هذه القيمة نحو 4.5% من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي في العام الذي ألقى فيه مارشال خطابه الشهير، وتحتل 1.1% من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي في فترة الخطة كلها. 

حققت «خطة مارشال»- معتمدة على القوة الاقتصادية الأمريكية القوية، بعد الحرب العالمية الثانية، وبواسطة تقديم «المساعدات» لمختلف الدول الأوروبية الغربية- إعادة بناء اقتصاد الدول المتلقية بسرعة، الأمر الذي رسخ اعتماد وارتباط الاقتصاد الأوروبي بالاقتصاد الأمريكي، بتقلباته جميعها.

في المقابل، فإن «الحزام والطريق» تعزز اعتماد البلدان المعنية على بعضها البعض، لتحسين وسائل النقل وكل ما يتعلق بمجال البنية التحتية الأساسية، إذ تؤكد «الحزام والطريق» ترابط البلدان الواقعة على طولهما في استراتيجيات التنمية، والتخطيط، والتكنولوجيا بصورة خاصة، هادفة إلى تحويل فرص التنمية الصينية إلى فرص التنمية للبلدان الواقعة على خط المبادرة، لتحقيق التنمية المشتركة للبلدان ذات الأجناس العرقية والمعتقدات والخلفيات الثقافية المختلفة، وتقديم الدعم المالي للتعاون مع الدول المجاورة، والتعاون الإقليمي من خلال إنشاء صندوق لطريق الحرير والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، والقيام ببناء الممرات الاقتصادية، والحدائق الصناعية، والموانئ البرية والبحرية عبر آسيا الوسطى وشرق المتوسط وجنوب شرقي آسيا وجنوب آسيا، وتحقيق التواصل والربط بين أوروبا وآسيا وأفريقيا تدريجياً.