الإسلاميون في السلطة: هل تتحقق أهداف الثورة؟
... أنتجت أول انتخابات في «عصر الثورة العربية»، انتصارا لحركة «النهضة» الإسلامية، وضعها في الموقع السياسي السلطوي الأول في تونس.
.. و(الآن)، وبما يتوفر من معطيات عن الطرح الفكري لزعيم «النهضة» وشيخها راشد الغنوشي، ومن تصريحات وتحالفات وطروحات هذه الحركة منذ سقوط النظام المخلوع، يمكن استنباط جزء يسير من المشروع الذي تحمله «النهضة» إلى الحكم.
يقول الغنوشي في معرض رسمه المشهد السياسي العربي الحالي في ما يتعلق بقضية الدين والدولة، إنه «إثر الغزو الغربي لديار المسلمين، وما زرعه من فكر وقيم وأساليب تنظيم حضاري فقد اختلف الأمر، إذ طلعت على المسلمين دعوات في مجال علاقة الدين بالسياسة تروج بينهم لمذهب الفصل بين المجالين». ويعتبر أن كتاب «الإسلام وأصول الحكم» للشيخ علي عبد الرازق «تعلق به العلمانيون كما تعلق الغريق بقشة»، منتقدا هؤلاء «العلمانيين» لأنهم بقوا «معرضين عن كل مراجعة لموقفهم حتى بعد أن امتلأ عالم الإسلام بحركات إسلامية قامت على أساس فكرة شمول الإسلام لقضايا الدنيا والدين»، مقدما على ذلك مثل «الجمهورية الإسلامية في إيران والسودان وأفغانستان بصرف النظر عن مدى توفيقها في تجسيد مثل الإسلام في العدل والشورى».
ويختم شيخ «النهضة» تعليل حكمه على «العلمانيين» بالحديث عن «انزواء الفكرة العلمانية وتواتر وتفاقم أوضاع فشلها، بما فاقم من تعويلها في البقاء على جهاز الدولة القمعي وعلى الظهير الخارجي».
إذاً، فإن الغنوشي، يشهر بداية اتهامه «العلمانيين» بأن أفكارهم ومعتقداتهم ليست سوى حصاد «زرع» الغزو الغربي «لديار المسلمين»، وبأنهم يعتمدون في استمراريتهم على القمع الأمني والدعم الخارجي. هذا التوصيف لمجمل «العلمانيين» يقلق اليوم المعارضين لـ«النهضة» وحلفائها في النظام، خاصة بعدما صدرت عن قيادات هؤلاء تصريحات تجسّد رؤية الغنوشي، ويقول مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد التونسي العام للشغل فتحي دبك: «إنهم يتكلمون عن اليسار بطريقة بن علي، فيتحدثون عن مؤامرات خارجية ومحاولات مزعومة لإغراق البلاد في الفوضى»، مبديا قلقه من توجه «النهضة» نحو إقصاء المعارضين على أساس «أنهم أقلية»، وهذا ما رشح من شعارات مناصري «النهضة» في الشارع التي وصفت المعارضة بأنها «قوى الـ0,00 في المئة».
ويبدو اتهام «النهضة» لـ«العلمانيين» بالاعتماد على النظام القمعي، مستغربا إذا ما قسناه بـ«تعويل النهضة على الآلة الانتخابية لحزب التجمع الحاكم سابقا» كما يصفه المحامي عبد الناصر العويني الذي اشتهر بصراخه «بن علي هرب» في شريط مصوّر كان من أكثر المواد الإعلامية للثورة التونسية انتشارا. ويقول العويني: إن «هذه الآلة الانتخابية التي كان يمدّها حزب بن علي بالمال مقابل حشد المؤيدين والمقترعين، تعمل على قاعدة الانتفاع المادي لا على أساس الانتماء العقائدي والإيديولوجي. أتت النهضة وقالت لهؤلاء: سنمدّكم نحن بالمال، وتقومون بنفس عملكم السابق لكن لصالحنا».
في ما يتعلق بنظام الحكم يعتبر الغنوشي أن شرعية الحكم في «دولة إسلامية» تستمد من مصدرين: «المرجعية القانونية القيمية العليا»، و«الشورى». ويوضح زعيم «النهضة» أن «أي مصادمة لنصوص الشريعة ومقاصدها تمثل طعنا موجعا في شرعية تلك الدولة من حيث انتسابها للإسلام»، ما يجعل «النص كتابا وسنّة السلطة المؤسسة للدولة الإسلامية».
أما «الشورى» فيعتبر الغنوشي أنها «العمود الفقري في الحكم الإسلامي باعتبارها رمزا لسلطة الأمة»، وأنها تقوم على «ترتيبات آليات تجعل أمور الأمة بيد الأمة». لكن في ظلّ غياب الصيغة الإسلامية الجاهزة لآلية «الشورى» هذه، يبقى إيجاد المؤسسة الضامنة لدينامية «الشورى» هذه، وهنا يرى الغنوشي أن «إسهام التجربة الغربية كان معتبرا» في تطوير «الآليات القمينة بترجمة قاعدة الشورى وسلطان الأمة».
إذاً من المنصف اعتبار أن رؤية «النهضة» لدولة الإسلام «المدنية»، تقوم على عدم مخالفة أحكام الشرع الإسلامي من جهة، واستنباط آلية «الشورى» أو «الديمقراطية» (حكم الشعب) من خلال التجربة الغربية في هذا المجال...
(...) رسالة تونس اليوم: الإسلاميون يثيرون الريبة والقلق لجهة غموض خطابهم وتحالفاتهم وقدرتهم على النهوض بالبلاد..
■ مقتطف من مقال للكاتب نشر في السفير