الشرق الأوسط في «الفوضى الاعتيادية»
نعلم جميعاً بأن الوعاء السوري ما زال يغلي، ولكننا مع ذلك نأمل، مع اقتراب موعد «جنيف2» بأن الوضع سيتحسن وسيهدأ. نلاحظ بأن هذا الشرق الأوسط والقريب يتعرض لكل أنواع الرياح: من وضع ليبيا الذي لا يحسد عليه، مروراً بتخبط السلطة في مصر، وصولاً إلى لبنان الذي يأخذ نصيبه أيضاً. في الواقع، لقد جرت على أرض لبنان تفجيرات عدة، مختلفة التمويل والرعاية، كان المدنيون فيها، وخاصة أنصار حزب الله، وحلفاءه الإيرانيين، هم من دفعوا الثمن الأكبر.
على الرغم من اعتبار البعض أن اغتيال الوزير القيادي في حركة «14آذار»، المقربة من الحريري، نوعاً من الرد على الهجوم الذي جرى بحق السفارة الايرانية في بيروت، فإن الواقع هو أن أمراء الخليج الصغار، التابعين للغرب، هم الذين يتحكمون بخيوط اللعبة. هذه هي حال المملكة السعودية وأجهزة استخباراتها، بقيادة الأمير بندر بن سلطان، الذي يستخدم جميع الوسائل، في سبيل إسقاط السلطة السورية، حليفة إيران، حتى لدرجة سماحه للإسرائيليين باستعمال قواعده لضرب إيران بكل هدوء.
إذا، من الواضح أن «إسرائيل» تلعب دوراً في هذه المسألة، خصوصاً عندما يعتبرون بأن الأمر يتعلق بتقليص نفوذ ما يسمونه «الهلال الشيعي». وبهذا الخصوص، نلاحظ بأن عناصر من تنظيم «القاعدة» استطاعوا الاستيلاء على مدينة الفلوجة الشهيدة، المشهورة للأسف بحرب الخليج الثالثة، في عام 2003.
هناك لاعب آخر، متورط أكثر من المعتاد على كل الجبهات الخارجية، أتى كمحارب بدلاً عن الإمبراطورية، ألا وهو فرنسا، المحبطة من عدم قدرتها على إقلاع طائراتها للذهاب إلى سورية، وحمل الخراب الإنساني إليها. عند بقائه وحيداً بعد الرفض الذي جاء من البرلمان البريطاني، والـ «لا» الأميركية، خفَّض فرانسوا هولاند الجناح، ولم يذهب لدغدغة الوحش وحده، كما كان متوقعاً. إلا أن تقاربه الحالي مع المملكة السعودية، عندما ذهب إليها في أواخر شهر كانون الأول، جعله يرجع إلى بلده غير خاوي اليدين.
لقد حصل هولاند على لائحة من الطلبات، بعدة مليارات من الدولار، من أجل تسليح الجيش السعودي الذي، ومنذ أقل من سنتين، حصل من الولايات المتحدة على إمدادات وتجهيزات، بما يقارب الـ100 مليار دولار. ثم أتى شراء السعودية، نيابة عن لبنان، لعقد يُقدر من 3 إلى 5 مليارات دولار. من الواضح أن هدف هذه العملية هو إعلان الحرب على حزب الله، وإضعاف سورية، والمجيء إلى مفاوضات «جنيف2» بمركز قوة.
سورية: بلد كل القضايا المتعلقة بالطاقة
لماذا هذا «الاهتمام» بسورية؟ لا يوجد أي منطق لهذا، ما عدا ذاك المتعلق بالطاقة. إذا كانت فرنسا والمملكة السعودية على هذه الدرجة من «التقارب الشديد»، بخصوص الحرب على سورية، فهذا يقودنا إلى الشك في دوافعهم «الإنسانية»، وإلى البحث عن تفسيرات أخرى. يظهر الغاز، كبديل عن النقص في الاحتياط العالمي للبترول، وتصدير الغاز الروسي مسموح، بفضل مشروعي تمديد خطوط أنابيب الغاز.
في هذا الخصوص، كتب المحلل السياسي «جيروم هنريك» قائلاً: «يمر نورد ستريم* من ألمانيا، ويفترض به أن يغذِّي شمال أوروبا. ومن المفترض أن يتجه ساوث ستريم* إلى أوروبا الغربية، عن طريق بلغاريا، صربيا، هنغاريا وسلوفينيا. وإذ، ومن أجل منافسة خط أنبوب الغاز ساوث ستريم، دعم الاتحاد الأوروبي مشروع نابوكو*. لقد أتت الحرب بين ساوث ستريم ونابوكو لمصلحة روسيا بشكل واضح. من جهة أخرى، (...) في الشرق الأوسط، وبما أن إيران تُعتبر منتجاً كبيراً للغاز، فقد وقَّعت هي والعراق وسورية، في شهر تموز 2011، مشروعاً لتمديد خطوط أنابيب الغاز «الغاز الإسلامي بيب لاين» l’IslamicGas Pipeline، من المتوقع حدوثه خلال عام 2014. من المفترض على هذا المشروع، الذي تقدر مدة إنجازه بثلاث سنوات، أن يسمح لإيران بإمداد العراق وسورية بالغاز. وبفضل الموانئ المطلة على البحر المتوسط لسورية ولبنان، سيستطيع هذا الخط إمداد الاتحاد الأوروبي بالغاز. من ناحية أخرى، اكتشفت سورية، خلال شهر آب 2011، حقلاً واسعاً للغاز في مدينة قارة بجانب مرفأ طرطوس. وبما أن روسيا هي شريك اقتصادي لسورية، فإنها ستستطيع أن تلعب دوراً رئيسياً، ليس فقط في عملية استثمار هذا الغاز، بل أيضاً في عملية تصديره لأوروبا، عن طريق أسطولها في البحر المتوسط».
الهدف سورية.. والغايات متعددة
«في عام 2009، قدمت قطر هي أيضا مشروعاً لتمديد خطوط لأنابيب الغاز الأرضية، من المفترض لها أن تصلها بتركيا. في هذا السياق، تقربت قطر من سورية في عام 2010، وعقدت معها اتفاقية «دفاع مشترك»، ولكن فضلت سورية لاحقاً الالتحاق بمشروع خط الغاز الإيراني-العراقي-السوري. في هذه الأثناء، هناك قوتان إقليميتان أخريان مهتمتان بالمشروع القطري: تركيا و«إسرائيل».
من جهتها، تلجأ تركيا إلى تقليص اعتمادها على الغاز الروسي والإيراني. أما «إسرائيل»، فقد اكتشفت، في أواخر عام 2010، حقلاً واسعاً للغاز قبالة سواحلها، بالتالي من الممكن لها أن تلتحق بالمشروع القطري في تصدير غازها لأوروبا. إذاً، تنظر قطر وتركيا و«إسرائيل» بنظرة قاتمة إلى مشروع خط أنابيب الغاز الإيراني ـــــ العراقي ــــ السوري، المستقل تماماً عن طرق عبورهم إلى أوروبا».
تابع «جيروم هنريك» تحليله عن الوضع في سورية، التي تعاني من صراعات متعددة الأبعاد قائلاً: «بالنسبة إلى أعداء سورية، فمصالحهم في هذا الصراع ليست دائماً متشابهة. إن تركيا تدعم «الإخوان المسلمين»، ولكنها تخشى من تزايد قوة الأكراد. قطر أيضاً تدعم «الإخوان»، في حين تدعم المملكة السعودية الأصوليين. وعلى الرغم من إظهار الغربيين استعدادهم للتفاهم مع بعض التيارات السياسية، كـ «الإخوان»، فإن وجودهم في المنطقة كان بالأحرى غير مرحب به، حيث أنهم تعرضوا لهجمات عدة».
ختم «جيروم هنريك» تحليله قائلاً: «أفضل طريقة في هذه الحالات هي الحرب غير المباشرة: دعونا نحفظ قواتنا في الوقت الذي نزرع فيه الفوضى عن بعد، فوضى نستطيع من خلالها أن نخرج بشكلٍ جيد من اللعبة»
حول «إنسانية الغربي» وقضايا المنطقة
لا نستطيع أن نختم، دون المرور على ذكر «رونيه نابا» (كاتب وصحفي مختص بشؤون العالم العربي، المترجم) الذي، وخلال محاضرة لامعة، فضح «الإنسانية الغربية» وتجسيدها الفرنسي في كل الحملات الاستعمارية العقابية. فمن أجل النضال ضد مفهوم القضاء والقدر، ونظراً لوجود تواطؤات ومؤامرات جديدة من نمط المملكة السعودية-«إسرائيل»، اقترح «رونيه» للعرب العلاج التالي: «... من المهم أن نشير ونشدِّد على الخطاب الغربي اللاذع، ذي النزعة الفتنوية التفكيكية، من أجل أن نستطيع إعادة إحياء الوعي الوطني. هذه هي الحال مع مفهوم «التدخل الإنساني» الذي هو في الحقيقة محرك لشن حملات عقابية استعمارية حديثة. (...) من جهة اخرى، وعلى المستوى العالمي، غالباً ما يأتي «التدخل الإنساني»، بسبب الفشل الداخلي الذي يكون عادة دليلاً على البؤس...».
«لقد انتهى عقد من الزمن الكارثي، المتمثل بتدمير العاصمتين القديمتين للفتوحات العربية: بغداد، عاصمة الامبراطورية العباسية، في عام 2003، ودمشق، عاصمة الإمبراطورية الأموية، في عام 2013، دون أدنى فائدة لا للعرب ولا للمسلمين. إن على العرب وحدهم، وليس على حلف الناتو، خوض معركتهم الذاتية من أجل الحرية والعدالة، من أجل الكرامة والتعددية. إن على العرب وحدهم تقع مسؤولية معارضة أي دكتاتور جمهوري كان أم ملكي. عليهم وحدهم كسر منطق الخضوع والتبعية. دعونا نتمنى أن يبرز «مانديلا» عربي يعمل على إبعاد روح وتعطش الانتقام من تقاليدنا السياسية، عبر تجاوز الانقسامات التي تشل العالم العربي والتسامي عن الخلافات. الصرامة الفكرية والتحلي بالأخلاق الوطنية والحس بالمسؤولية، تلك هي الرغبات الأخرى التي طلبها العرب من أصدقائهم وحلفائهم، من أجل أن يستطيعوا النهوض بأنفسهم، فردياً وجماعياً. بكلمة واحدة، أن وحدهم يقرروا مصيرهم، وأن يحرصوا على ألا تصبح فلسطين المنسية الكبرى للربيع العربي. آمين!».
ترجمة: ميس ضوماط - باريس
نقلاً عن موقع «موندياليزاسون»، بتصرف