إغلاق الحكومة الأمريكية والعجز عن سداد الديون: «بروفة عامة»* قبل خصخصة نظام الدولة الفيدرالي؟ 1/2
ترجمة : نور طه ترجمة : نور طه

إغلاق الحكومة الأمريكية والعجز عن سداد الديون: «بروفة عامة»* قبل خصخصة نظام الدولة الفيدرالي؟ 1/2

يأتي إغلاق الحكومة الأمريكية، والوصول إلى الذروة المالية، المرتبطة بسقف زمني محدد، بما يؤدي إلى عجز مُحتمل عن سداد ديون الحكومة الفيدرالية، ليكون عملية تصنيع أموال تتم لمصلحة «وول ستريت».

ومع تكشّف العديد من الأجندات السياسية والاقتصادية المتداخلة. يبرز السؤال التالي: هل يُعدُّ إغلاق الحكومة، بما يتضمنه ذلك من تسريح لعشرات الآلاف من الموظفين، «بروفةً عامة» لتقديم خصخصة نهائية للمكونات الرئيسية لنظام الدولة الفيدرالي؟

تشهد مدينة ديترويت الآن حالات وعمليات عجزٍ وإفلاسٍ وخصخصةٍ، على مراحل وبدعم كبيرمن إدارة أوباما، حيث استولت الشركات الكبرى على البنية التحتية والأصول البلدية والخدمية فيها. والسؤال المهم هنا: هل يمكن، واقعياً، أن تعاني الحكومة المركزية، في الولايات المتحدة الأمريكية، من حالة «إفلاس الدولة» التي تعاني منها حالياً العديد من الحكومات حول العالم؟
وهذا ليس سؤالاً افتراضياً. فمن المعروف أن العديد من البلدان النامية اضطرت، وتحت وطأة «العلاج الاقتصادي»، الخاص بصندوق النقد الدولي وضغوطات دائنيها الخارجيين، إلى تفكيك جهاز الدولة لديها، وطرد الملايين من عمال قطاعها العام، إضافة إلى خصخصة أصول الدولة. كما تم أيضاً تطبيق برنامج التكيّف الهيكلي (SAP)، الخاص بصندوق النقد الدولي على بلدان أوروبية عدة. عطفاً على ماسبق، يبرز التساؤل حول إمكانية أن تسبب سلسلة الإصلاحات الاقتصادية الكليّة «القاتلة»، التي أعدّتها «وول ستريت»، بالاشتراك مع المصرف الاحتياطي الفيدرالي، بحدوث اضطرابات مدنية في أنحاء واسعة من الولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي يُستبعد فيه إعلان حالة طوارئ أو فرض أحكام عرفية. تتوارد التقارير التي تؤكد بأن وزارة الأمن الداخلي تسعى للحصول على عربات مدرّعة، وقد تم بالفعل مشاهدة بعضها تجوب عدداً من الشوارع الأمريكية. ووفقاً لتعبير إلينبراون فإن «أحداً ما في الحكومة يتوقع حدوث بعض الاضطرابات المدنية الخطيرة».

انهيار مالي

بعودة سريعة إلى انهيار «وول ستريت»، في سبتمبر عام 2008، والذي أتى في أعقاب الأزمة الاقتصادية، سنجد أن انهياراً مالياً كان قد بدأ في ذلك الوقت. هذا وقد هيأت الأزمة المالية، المتفاقمة في حينه، الأجواء لما نشهده اليوم. بدليل تأثيرها المباشر على قضيتي إغلاق الحكومة الاتحادية، والعجز عن سداد الديون.
لقد أدت عمليات إنقاذ المصارف، التي نفّذها كل من بوش وأوباما، إلى الاستيلاء على ما يقارب 1.45 تريليون دولار من عائدات الضرائب التي يدفعها الأمريكيون، ومن ثم تحويلها إلى «وول ستريت»، تحت غطاء برنامج بوش لـ «إنقاذ الأصول المتعثّرة»، وبرنامج أوباما لإنقاذ المصارف، الذي أطلقه في بداية ولايته الأولى، وتم نقل هذه الأموال، في نهاية المطاف، إلى المصارف.
في الوقت ذاته. ارتفعت نفقات الدفاع كجزء من عملية دعم ما يُعرف بـ «اقتصاد الحرب»، حيث تم تخصيص 74 مليار دولار في (سنة 2010 المالية) لتمويل عملية عسكرة كبرى، بما في ذلك تمويل حروب الولايات المتحدة في كل من آسيا الوسطى والشرق الأوسط.

الميزانيات السوداء

من الجدير بالذكر وجود عدة عمليات غامضة، تقدَّر بمليارات الدولارات، لإنقاذ المصارف. حيث لم يتم الإعلان عنها، كما أنها لم تُذكر في الحسابات الحكومية، ناهيك عن ميزانيات البنتاجون السوداء، التي لم تُدرج في حسابات الإنفاق الرسمي الخاصة بوزارة الدفاع الأمريكية.
ووفقاً لتقريرٍ صادرٍ عام 2009، فإن كلفة «العمليات السوداء» في وزارة الدفاع الأمريكية، والتي تتضمن الميزانيات المتداخلة لأجهزة المخابرات الأمريكية، تساوي تقريباً حجم الميزانيات الدفاعية الخاصة ببريطانيا أو فرنسا أو اليابان، بالإضافة إلى 10% من مجموعهم العام.

 الحرب و«وول ستريت» : الدين العام المتصاعد

في أعقاب اندلاع الأزمة المالية، عام 2008. تم إنشاء هيكلية جديدة للمديونية العامة دون احتساب لـ «الميزانيات السوداء» أو عمليات «إنقاذ المصارف» التي كانت تتم في الظل. بعبارة أخرى، فقد التهَم بندانُ من بنود الإنفاق، وتحديداً الحرب و«وول ستريت»، إلى جانب الفوائدَ على الدين العام، العائدات الحكومية الاتحادية.

لا أموال في الخزينة للبرامج الحكومية

إن ما تتضمنه هذه البنية المشوّهة للموازنة، في السنتين الماليتين 2009 - 2010، تقول بعدم وجود أموال، المقصود موجودات مالية، «متبقية» لدى الخزينة العامة (عائدات الضرائب وغيرها من مصادر إيرادات الحكومة الاتحادية)، لتمويل البرامج الحكومية الاعتيادية.
فيما يخص جميع بنود الإنفاق الأخرى، بما فيها الرعاية الطبية والصحية والضمان الاجتماعي والاستثمارات العامة في البنية التحتية، فقد كان لا بد من تمويلها عن طريق خلق الديون (إصدار سندات الخزانة والسندات الحكومية)، أي من خلال إحداث زيادة كبيرة في الدين العام، ورفعه من 9.9 تريليون دولار في السنة المالية 2008، إلى 16.7 تريليون دولار في تشرين الأول عام 2013، وهي زيادة مذهلة تقارب 70%.
أي أن الحكومة الاتحادية كانت تقوم، في حقيقة الأمر، بتمويل مديونيتها الخاصة عبر «الصدقات» السخية، التي كانت تتلقاها من المجمع الصناعي العسكري و«وول ستريت».

زيادة عجز الميزانية

لقد تجسّدت التطورات، المذكورة آنفاً، بازدياد عجز الميزانية في أعقاب الانهيار المالي، عام 2008. ويدّعي مكتب الميزانية التابع للكونغرس بأن التقديرات، المُعدّة للفترة الممتدة بين عامي 2013 ـ 2022، تستند إلى ما أسماه بـ «القيم التاريخية المعدّلة» للناتج المحلي الإجمالي، وقد جرى إعدادها من مكتب التحليل الاقتصادي. وهذا بالطبع كلام لا معنى له.
ومع ذلك، فقد صرّح مكتب الميزانية بأنه «من المتوقع انخفاض العجز في الميزانية الاتحادية بشكل كبير»، إن هذا ليس كلامنا بل كلام المكتب المذكور، كما أن هذه «التنبؤات» لا علاقة لها بأي «قيم تاريخية معدّلة»، بل لها علاقة بتدابير التقشف وسياسات الاقتصاد الكلي.

التحول في الميزانية : العلاج بالصدمة الاقتصادية

وفقاً لتوقعات مكتب الموازنة في الكونغرس، فإن عجز الميزانية سينخفض من 7%، من إجمالي الناتج المحلي في عام 2012، إلى 2% في عام 2015. إن إنجاز تحولٍ من هذا النوع في الميزانية لا يمكن أن يتم، إلا بطريقة «العلاج بالصدمة الاقتصادية»، مما سيؤدي إلى تخفيضات مدمرة، بالمعنى الاجتماعي، في الإنفاق العام. تتبعها، بالضرورة، موجة واسعة من الاضطرابات المدنية.
ويكمن في هذه التنبؤات الافتراضُ القائل بأنه سيتم، على مدى السنوات العشر القادمة، تنفيذ تدابير تقشفية صارمة تؤدي إلى تخفيض واسع في الإنفاق الحكومي، وبالتالي تقليل حجم العجز في الميزانية، ونسبة هذا العجز من إجمالي الناتج المحلي.
لسنا هنا أمام مفاهيم إحصائية مجرّدة، حيث أن توقعات مكتب الميزانية، التابع للكونجرس، للسنوات العشر القادمة (2013 – 2022) ترسم، فعلياً، ملامح عملية انحلال مالي كبير وإفقار للشعب الأمريكي بأكمله.

هوامش :
بروفة عامة* : استخدم الكاتب هذا التعبير الذي يشير إلى تجارب الملابس التي تتم قبل عرض مسرحي ما.
ميشيل شسودوفسكي* : مؤلف حائز على عدة جوائز، وأستاذ في الاقتصاد في جامعة أوتاوا الأمريكية، كما أنه مؤسس ومدير مركز البحوث حول العولمة (جلوبال ريسيرتش).

آخر تعديل على الأحد, 03 تشرين2/نوفمبر 2013 04:45