ما مصير المقترضين والكفلاء في ظل نتائج قرارات الفصل؟
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

ما مصير المقترضين والكفلاء في ظل نتائج قرارات الفصل؟

من أهم تداعيات القرارات المجحفة التي أصدرتها الحكومتان المتتاليتان مسألة التخلف عن سداد أقساط القروض للجهات المُقرضة، سواءً كانت جهاتٍ عامةٍ أو خاصة، فأكثر من 50% من موظفي القطاع العام إما يندرجون في قوائم المقترضين أو قوائم الكفلاء، وفي ظل غياب أي بيانات رسمية توضح أعداد المقترضين المتخلفين! فإن تقديرها ممكن إذا استند على أعداد ونسبة الموظفين والعمال الذين خسروا وظائفهم بسبب تلك القرارات المتعسفة وغير المدروسة، فمصدرو القرارات لم يدرسوا أضرارها ونتائجها قبل إصدارها ومن بينها قضية القروض والكفلاء.

منذ تبني السياسات الاقتصادية الليبرالية المعادية للطبقات الضعيفة والتراجع المتواتر لدور الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية مروراً بسنين الأزمة وحتى سقوط سلطة النظام البائد، ازدادت أعداد موظفي القطاع العام المقترضين ونشأت تلك العلاقة الطردية بين عنصرين؛ الأول منهما: سلسلة التخلي المتلاحق عن الدعم الحكومي وارتفاع معدل التضخم وتآكل القيمة الحقيقية للأجور وانحدار الوضع المعيشي لمستويات غير مسبوقة، والثاني: ارتفاع عدد الموظفين المقترضين. ولم يكتفِ الموظف خلال تلك السنين بقرض واحد، بل ما إنْ ينتهي من تسديد الأول حتى يسحب قرضاً آخر، لتتطور لاحقاً ويلجأ للاقتراض من جهتين أو أكثر في آن واحد، ولم يعد مستغرباً بيان الراتب الشهري المرفق بالراتب الذي يحوي اقتطاعين أو ثلاثة، خاصة بأقساط التسديد الشهري للتجاري والعقاري والتسليف الشعبي، ومع مرور السنين ارتفعت نسبة الموظفين المقترضين من المصارف العامة والخاصة لتتجاوز عشرات الآلاف إلى مئاتها، ومن المعلوم أيضاً أن منحها يخضع لجملة من الآليات والمعايير والشروط العامة وأخرى خاصة، تتعلق بخصوصية المصارف بعينها. ومن الشروط العامة وجود الكفلاء ويشترط أن يكونوا أيضاً من عمال القطاع العام الذين يقدمون بيان راتب يؤهلهم للكفالة، وبحسب قيمة القرض يحدد عدد الكفلاء، وقد وصلت قيمة بعض القروض لاشتراط وجود أربعة من الكفلاء أو أكثر كي يتناسب مع تغطية القيمة المالية للقرض وللقسط الشهري المسدَّد.

قرض «المكدوس» صنيعة السلطة البائدة

أغرقت السلطة الفاسدة البائدة موظَّفي الجهات العامة بالقروض بشكل مباشر وغير مباشر، من خلال سياساتها الاقتصادية الخادمة للفساد والمفسدين ولطالما سمعنا عن أرقام لا يمكن إحصاء أصفارها، هرب مقترضوها وجُلّهم من رجال الأعمال والمسؤولين والمستثمرين «أولاد آدو» في حين أرهقت أصحاب الأجر المحدود والمنهوب بفوائد وضوابط ومعايير كفالة، وضيقت الخناق عليهم بمعيشتهم، حتى صارت تسمى بعضها بقروض المكدوس والمازوت والقرطاسية وغيرها من الأسماء التي تجعل من الألم سخرية وتهكماً يعبر عن السخط ويخفف من مفاعيلها. ورغم ذلك استطاعت تلك القروض بطريقة أو بأخرى معالجة بعض القضايا المعيشية الملحة التي لا حل لها إلا بقرض يؤجل المشكلة الماثلة أمام المقترض ويدفعها للأمام في محاولة لكسب الوقت ليس إلا، واستمرت تلك الظاهرة بأسبابها ونتائجها حتى سقوط السلطة ودخول البلاد بمرحلة جديدة استقبلها الشعب السوري بآمال جديدة وأمنيات عظيمة مليئة بخبرات التجارب السابقة والحذر من مجهول يرجونه خيراً.

التعاطي المؤسساتي مع مسألة القروض

اعتمدت الجهات الحكومية في التعامل مع موضوعة القروض وأقساطها على اقتطاع أقساط القروض من رواتب المقترضين بشكل مباشر دون الحاجة للتسديد المباشر، في حين يلتزم المقترض بتسديده بشكل مباشر للمصارف الخاصة، لذلك لم تشهد المصارف العامة تخلفاً عن تسديد المقترضين إلا ما ندر ولأسباب استثنائية جداً، فحتى في أعقد الأوقات كانت الأجور تنزل على حسابات موظفي القطاع العام وبالتالي كانت الاقتطاعات تتم أوتوماتيكيا، في حين عانت المصارف الخاصة من حالات تخلف أكثر بكثير، مما تسبب بتوقف رواتب الكفلاء، فوفق الأنظمة المعمول بها يتحمل الكفيل هذه المسؤولية «الكفيل حطَّاط»، وغالبية تلك المخالفات تمت تسويتها بطرق متعددة. وللعلم فإن المقترضين الذين يتوفون او يتغيبون قسرياً أو المتقاعدين منهم فإن استحقاقاتهم في التأمينات الاجتماعية كانت الملاذ الآمن للجهات المُقرضة لتحصيل مستحقاتها المالية سواء كان الموظف يحق له راتب تأميني أو تعويض من دفعة واحدة.

قرارات تعسفية بأضرار كارثية

منذ الأسابيع الأولى لتولي «حكومة الإنقاذ المؤقتة» لزمام الأمور، ظهرت إلى السطح سلسلة قرارات الفصل وكف اليد والإجازات المأجورة وتوقيف العقود وغيرها من القرارات كمعضلة القروض وأقساطها وكفلائها، ونتجت قضايا شائكة عن تلك القرارات. فالمقترض المفصول لم يعد يدري كيف سيعالج جملة النكسات التي تعرض لها؛ فهو من جهة أصبح دون عمل وبالتالي دون دخل يعينه على مشقة الحياة ولقمة الأولاد، ومن جهة أخرى فهو مقترض وكفيل بآن معاً لا يعلم «من وين ولا من وين» لمعالجات وضعه المستجد المفاجئ، كيف سيسدد أقساط القرض إذا ما نجحت الاعتراضات العاصفة على القرارات وإذا تم فصله بشكل نهائي وقاطع، هل سيحصّل مستحقاته التأمينية؟ وكيف سيتم اقتطاع الذمم منها... وهل وهل؟ وفعلاً دخل المقترضون والكفلاء دائرة الأسئلة اللامنتهية في ظل غياب الأجوبة والحلول الحكومية الرسمية، خاصة أنه في تلك الفترة بالذات تزايد الترويج للحكومة «الانتقالية» الجديدة «مفتاح العقد والحل» والتي لم تتراجع حتى اليوم عن القرارات بشكل كامل، بل زادت الطين بلة بعمليات الدمج الوزاري والمؤسساتي وإلغاء أو أحداث جهة ما. وللعلم فإن أكثر المقترضين والكفلاء ارتباكاً وخوفاً أولئك المتعاملين مع المصارف الخاصة التي بدأت منذ الشهر الثاني بإرسال مطالباتها بتسديد الأقساط تحت طائلة المسائلة القانونية، حيث تلجأ المصارف عادة لمخاطبة الجهات المعنية بإيقاف رواتب المتخلفين وكفلائهم، فماذا إنْ كان المتخلف أو الكفيل من المفصولين؟ حينها سيلجأ المصرف الخاص للتأمينات الاجتماعية وتزداد الأمور تعقيداً والمتضرر الأول والأخير هم الموظفون.

تراجع شامل – حوار عام – قرار صحيح

إنّ قضية القرارات وما تلاها من نتائج كارثية بمختلف الاتجاهات تفرض على السلطات الحكومية الحالية الرجوع عن كل تلك القرارات دفعة واحدة وإعادة دراسة واقع القطاع العام بشكل كامل ودقيق سواء من حيث الهيكلية الإدارية والجدوى الاقتصادية والخدمية... إلخ، أو من حيث الملاكات العددية والموارد البشرية وإعطاء الأمر حقه والخروج بأفضل القرارات المرتكزة على الجمع بين مصلحة القطاع العام والعمال معاً وهذا ليس بالأمر الصعب او التعجيزي، ومفتاح إيجاد هذا هو الانفتاح على الحوار الجاد والحقيقي مع كل الأطراف المعنية والفاهمة له، من جهات حكومية إلى قوى سياسية ومجتمعية وعلى رأسها النقابات، وحينها فقط سيكون القرار الناتج هو الأكثر صوابية والأشمل خيراً على الجميع.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1244