عمال ونقابات سورية ... أين نحن؟ وما العمل؟ (1)
أكثر من أربعة شهور مرت على سقوط سلطة النظام الفاسد المستبد، شهدت خلالها البلاد تحولات كثيرة وأحداثاً يومية مليئة بالتفاصيل اللحظية، ولم تكن الطبقة العاملة وحركتها النقابية بمعزل عنها بل في خضمها الفعلي، وأمام سؤال بحجم ما العمل؟ لا بد من المرور على تلخيص المرحلة الممتدة من لحظة سقوط سلطة النظام البائد وحتى الآن؛ تلخيص للتحولات والقضايا التي أثرت بشكل مباشر وغير مباشر على مجمل العاملين بأجر في القطاعين العام والخاص وجيوش العاطلين عن العمل بشكل كلي أو جزئي، والحركة النقابية بشكل عام والنقابات بشكل خاص، فالسرد المتسلسل يساعدنا على الوصول للإجابة عن سؤال أين نحن؟ كي نستطيع الإجابة عن سؤال ما العمل؟
وعي لأهمية جهاز الدولة والنقابات تجمد عملها
في الثامن من كانون الأول 2024 سقطت سلطة النظام البائد وبزغ فجر جديد فاتحاً أفق التغيير المنتظر منذ عقود، في الأيام الثلاثة الأولى عمت فوضى أمنية محدودة نسبياً أدت لأضرار تخريب ونهب بالعديد من المؤسسات والأملاك الحكومية من معامل ومستودعات، وامتدت لبعض الأملاك الخاصة أيضاً، وسمعنا وشاهدنا وعي الموظفين ولجان الأحياء المدنية في الحفاظ على أملاك الدولة؛ كما حصل مع حارس المصرف العقاري بساحة يوسف العظمة أو لجنة حي باب سريجة التي حمت مركز خدمة المواطن والسورية للتجارة في الحي، حصل الأمر ذاته في مصفاة بانياس ومعامل الحديد في حماة وأفران درعا وغيرها الكثير، في إشارة لمحدودية التخريب والنهب أمام وعي عام من السوريين والموظفين لأهمية القطاع العام. ولم يمضِ سوى يومين أو ثلاثة حتى تم الإعلان عن حكومة البشير كحكومة مؤقتة محدودة المدة والمهام، وهذا ما ساعد على استقرار الوضع الأمني الضاغط على جهاز الدولة المدني. ومرت الأيام الثلاثة على النقابات كغيرها من الفاعليات والمنظمات، أغلقت أبوابها بانتظار انقشاع غبار الفوضى، بعد تشكيل حكومة البشير بيومين أصدرت الوزارات نداءً وتعاميم تطالب موظفي المؤسسات والمعامل الحكومية بالتوجه لأعمالهم، لتسيير أعمال وشؤون المواطنين من جهة وللحفاظ على الخدمات العامة من جهة أخرى. وفعلاً تمت هذه الإجراءات بسلاسة وتوافد موظفو القطاع العام لأشغالهم وعادت الحياة تدريجياً للقطاع الصحي والتعليمي والخدمي، وكذلك فعلت النقابات التي فتحت أبوابها وعادت لدوامها الشكلي، كونها لم تمتلك زمام المبادرة أو قراءة الحدث، وجمدت نفسها بطريقة غريبة، وخاصة بعد الكتاب الصادر عن رئيس الاتحاد العام الذي وضع المنظمة بتصرف الإدارة الجديدة دون وجه حق، وهذا ما جعل النقابات بكوادرها وقادتها مكبلة تنتظر أوامرَ أو قرارات، متخلّية عن استقلاليتها التي استعادتها بسقوط سلطة النظام البائد.
وعود رنانة تُنتج قرارات مجحفة
منذ تولي حكومة البشير لإدارة الدولة خرج المسؤولون فيها بجملة من التصريحات الرنانة المتضمنة وعوداً براقة حتى ظنت الطبقة العاملة بأن أحلامها تحققت دفعة واحدة، وهي التي كانت ما زالت بنشوة الخلاص، فمن زيادة الأجور أربعة أضعاف إلى بناء اقتصاد متقدم خارق، إلى حماية الحقوق والأملاك والسوق المفتوح، الذي سيملأ البلاد بفرص العمل وأجور بستة أصفار أو بالعملة الصعبة الخضراء، فاستبشر المستبشرون بما هو خير، ولم تمضِ أيامٌ بعدها حتى بدأنا نسمع عن إفراغ النظام البائد لخزائن المركزي، والبطالة المقنعة والفساد والعمال الأشباح وفائض العمالة وضرورة إعادة هيكلة كل شيء صغيره قبل كبيره، والتخلص من عوائق وعلائق القطاع العام لتكون تمهيداً لما هو آت بعدها، إضافة لتصريحات الخصخصة والقطاع العام الخاسر وضرورة التخلص منه وعرضه على الاستثمار كيفما كان، بالتزامن مع امتلاء الأسواق المحلية بالبضائع التركية وغيرها مجهولة المنشأ والجودة، وتوقفت كذلك معامل القطاع الخاص كلياً وجزئياً منتظرين استقرار الوضع العام ليعلموا ما يفعلون، وتوافد مئات الآلاف من الشبان لسوق العمل سواء من الذين كانوا ضمن الخدمة الإلزامية وأفراد قطاع الشرطة والعائدين من تهجير الشمال والدول المجاورة، مما سبب ضغطاً إضافياً على سوق العمل الذي لا يعلم ماهيته غير الله، في هذه الأثناء كانت بعض كوادر الإدارة الجديدة تتوافد على مقرات اتحادات نقابات العمال تباعاً وتضع يدها على القرارات مع تجميد عمل الأعضاء والصناديق المالية التابعة للهيئات النقابية، ليستكمل الشلل إلى كلي المضمون والنتائج.
قرارات دون معايير وانطلاق الاحتجاجات
لم يمضِ أسبوع على تصريحات الهيكلة وفائض العمالة، حتى بدأت القرارات المنفردة تخرج من كل المؤسسات والوزارات، دون قرار مركزي من رئاسة الحكومة أو إجراءات تنفيذية أو معايير. واتسمت كل تلك القرارات بالتسرع والتعسف وقلة الخبرة والدراية، وأسوأ ما في الأمر أن كل مسؤول هنا أو هناك كان يتخذ القرارات بطريقته ووفق رؤيته القاصرة التي اشترك فيها مع إدارات موجودة، أغلبها على قوائم الفساد بعين ورأي الموظفين، وانقسمت القرارات بين فصل وكف يد وإجازة مأجورة وإنهاء عقود، مما أضعف المؤسسات وأوقف المعامل، فظهرت ظواهر غريبة عجيبة كإفراغ قسم طبي مختص من جميع كوادره مثلاً أو توقف عمل سحب الأموال لفصل موظفي مغذي الصرافات وغيرها الكثير، وهذا ما أدى إلى لجوء المتضررين بداية الأمر لدوائرهم والاعتراض المباشر ومحاولة فهم القرارات التي طالتهم، دون أن يصلوا لنتائج مما جعلهم يلجؤون للاحتجاجات والاعتصامات الجزئية والمتفرقة وبأغلب المحافظات، لتتصاعد وتتنظم لاحقاً وتأخذ شكلاً جديداً أكثر زخماً وتنسيقاً، واستمرت النقابات بالجمود والنأي بالنفس حتى تشكل المكتب التنفيذي الجديد القديم بمنتصف شهر شباط من العام الحالي برئاسة السيد فواز أحمد بعد دعوة انتقائية لأعضاء المجلس العام واتخاذ القرار، فيما جرى حل اتحاد محافظة حماة وحلب. أما في السويداء فاستطاع نقابيوها الحفاظ على قرارهم وانتخبوا مكتباً تنفيذياً مؤقتاً صادق عليه الاتحاد العام كونه أمراً واقعاً، وبعد هذه الإجراءات عادت النقابات إلى عملها الروتيني المقتصر على الدوام الرسمي وصرفيات العمال وإعداد الكتب والمراسلات مع وزراء حكومة البشير، مبتعدة عن حركة الاحتجاج المتصاعدة في الشارع، في حين ركز الاتحاد العام على العلاقة مع الاتحادين العربي والدولي، مع تصريحات مؤيدة لمطالب العمال في إلغاء القرارات والقيام بإعداد داتا شاملة تضم أسماء المتضررين من العمال.
استمرت حكومة تصريف الأعمال بالتخبط والقرارات التعسفية وتراجعت عن بعضها واستمرت النقابات بالمراسلات وتسويف المطالب حتى انتهاء مدة عمل الحكومة كما استمرت الاحتجاجات ثم انكفأت تماشياً مع تعقد الوضع الأمني في عدة محافظات، ولتبدأ مرحلة جديدة مع انتهاء عمل حكومة البشير وتشكيل الحكومة الجديدة... (يتبع)
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1225