مشاريع إعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة: أقوالٌ بلا أفعال
فلاديمير بروخفاتيلوف فلاديمير بروخفاتيلوف

مشاريع إعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة: أقوالٌ بلا أفعال

ذكرت صحيفة فايننشال تايمز أنّ ما يقرب من 40% من «أكبر الاستثمارات الصناعية الأمريكية»، التي تمّ الإعلان عنها في العام الأول من تحرك الرئيس الأمريكي جو بايدن لتعزيز سلسلة توريد التكنولوجيا النظيفة وأشباه الموصلات، قد تم تأجيلها أو إيقافها مؤقتاً. في السنة الأولى للقانون، تمّ الإعلان عن خطط استثمارية تتجاوز 220 مليار دولار. على الرغم من الحماس الأوّلي، فإنّ المشاريع الفعلية، التي يبلغ مجموعها 84 مليار دولار، قد تأخرت لفترة تتراوح بين شهرين إلى عدة سنوات أو توقفت إلى أجل غير مسمى. ويمثل ذلك 37.3% من إجمالي الاستثمارات المعلنة.

ترجمة: قاسيون

أثّر التأخير والإغلاق على العديد من المشاريع الكبرى. تم تعليق بناء مصنع LG Energy Solution الكوري الجنوبي لبطاريات فوسفات حديد الليثيوم في أريزونا بقيمة 2.3 مليار دولار، ومصنع معالجة الليثيوم Albemarle في كارولينا الجنوبية بقيمة 3 مليارات دولار ومصنع للألواح الشمسية من شركة إينيل الإيطالية بقيمة مليار دولار في أوكلاهوما.
أجّلت شركة TSMC التايوانية بدء تشغيل أول مصنع لها لأشباه الموصلات في ولاية أريزونا، وهو جزء من مشروع بقيمة 40 مليار دولار، من أواخر عام 2024 إلى عام 2025، وتم تأجيل بدء تشغيل مصنع ثانٍ من عام 2026 إلى عام 2028. وعلّقت شركات تصنيع الألواح الشمسية Maxeon وHeliene وMeyer Burger بناء مصانعها في الولايات المتحدة بسبب الانخفاض العالمي في أسعار الألواح الشمسية.
كما أجّلت سانغيونغ الكورية الجنوبية لتصنيع قطع غيار السيارات توسيع مصنعها في ألاباما لمدة عامين بسبب ضعف الطلب على السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة. وأوقفت شركة Nel Hydrogen النرويجية لتصنيع محطات الشحن الكهربائي مشروعها الذي تبلغ قيمته 400 مليون دولار في ميشيغان، مبررة ذلك بقواعد الحوافز الضريبية غير الواضحة.
وأجّلت شركة أنوفيون الأمريكية لصناعة مكونات البطاريات بناء مصنع بقيمة 800 مليون دولار لأكثر من عام، مستشهدة بقواعد ضريبية غير واضحة للسيارات الكهربائية. وألغت شركة VSK Energy الهندية لصناعة الألواح الشمسية خطتها الاستثمارية بقيمة 250 مليون دولار في كولورادو، كما أرجأت خطة استثمارية لمصنع مكونات الألواح الشمسية بقيمة 250 مليون دولار.
الأسباب الرئيسية لهذه التأخيرات هي تدهور ظروف السوق، وانخفاض الطلب، وعدم اليقين السياسي المحيط بالانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة. وقد أثر الانكماش الاقتصادي العالمي، وانخفاض الطلب على السيارات الكهربائية وقضايا زيادة المعروض من الرقائق، وخاصة في الصين، بشكل كبير على جدوى هذه الاستثمارات. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الوضع السياسي المتوتر في الولايات المتحدة يولّد مخاطر تجارية، ممّا يجبر الشركات على إلغاء المشاريع الاستثمارية الكبيرة.
تم تصميم قانون IRA وCHIPS لإعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة وخلق فرص العمل، حيث وعدت حكومة الولايات المتحدة بأكثر من 400 مليار دولار على شكل إعفاءات ضريبية وقروض وإعانات دعم. لكن مع تأخر أو توقف 40% من المشاريع الاستثمارية، تتزايد الشكوك حول تحقيق هذه الأهداف.
تلقّت شركة إنتل الأمريكية العملاقة في مجال تكنولوجيا المعلومات عشرات المليارات من الدولارات في هيئة إعانات دعم، ولكنها انزلقت في نهاية المطاف إلى حافة الانهيار. تقوم إنتل بتسريح 15% من قوتها العاملة وتحاول يائسة إنقاذ نفسها من الإفلاس. وأعلنت الشركة للتو عن خسارة قدرها 1.6 مليار دولار للربع الثاني من عام 2024، وهي زيادة كبيرة عن 437 مليون دولار التي خسرتها في الربع الماضي. توظف الشركة حالياً أكثر من 125000 شخص، لذا يمكن أن يصل إجمالي عمليات التسريح من العمل إلى 19000 شخص.
بالإضافة إلى ذلك، ستقوم إنتل بخفض تكاليف البحث والتطوير والتسويق بمقدار مليارات الدولارات كل عام حتى عام 2026. وفي هذا العام، سيتم خفض الإنفاق الرأسمالي بأكثر من 20%، وسيتم تنفيذ إعادة الهيكلة «لإيقاف الأعمال غير الضرورية ومراجعة جميع المشاريع والمعدات النشطة للتأكد من أنها لا تستهلك الكثير». أشارت CNBC إلى أنّ «إنتل تعدّ حالياً شركة التكنولوجيا الأسوأ أداءً في مؤشر S&P 500 هذا العام».

نقص في أساس الصناعة: البشر

إنّ تطوير صناعة الرقائق في الولايات المتحدة يواجه معوقات خطيرة بسبب «أزمة المواهب» التي تلوح في الأفق. يظهر تقرير صادر عن شركة ماكينزي الاستشارية أنّه بحلول عام 2029، قد يواجه قطاع أشباه الموصلات في الولايات المتحدة نقصاً بنحو 150 ألف فني ومهندس.
يخصص قانون الرقائق والعلوم الأمريكي ما يقرب من 53 مليار دولار لتحفيز تطوير قطاع الرقائق الأمريكي. منذ أن وقّع الرئيس بايدن على مشروع القانون في آب/أغسطس 2022، تلقت شركات تصنيع الرقائق الكبرى مثل TSMC التايوانية وإنتل الأمريكية وسامسونغ الكورية الجنوبية مليارات الدولارات من الاستثمارات الفيدرالية لبناء مصانع جديدة وتوسيع عملياتها في جميع أنحاء الولايات المتحدة لخلق أكثر من 115000 فرصة عمل في الولايات المتحدة في مجالات التصنيع والبناء.
كتبت آسيا تايمز: «إنّ عولمة القدرة التصنيعية وتطوير التقنيات الجديدة تتسارع خارج الولايات المتحدة. ومن المفارقات أن الدعم الذي تقدمه إدارة بايدن لإنشاء مسابك أشباه الموصلات في الولايات المتحدة والقيود المفروضة على تصدير الرقائق والمعدات عالية الجودة لتصنيعها يساعد في تحفيز هذه العملية، ولكن خارج الأراضي الأمريكية».
تريد أوروبا وتايوان وكوريا الجنوبية واليابان الاحتفاظ بتكنولوجيتها المتقدمة في الداخل؛ وتعمل الصين على تطوير اقتصادها في مواجهة العقوبات الأمريكية. في بعض الحالات أيضاً، لا يكون إنشاء وجود صناعي في الولايات المتحدة منطقياً من الناحية الاقتصادية أو التجارية.
في عام 2021، واجهت واشنطن صعوبة في إقناع الحكومة التايوانية لبناء مصنع لإنتاج الرقائق في الولايات المتحدة قبل أن تنجح في الضغط لأجل ذلك. ثمّ بدأت الشركة التايوانية الرائدة في مجال تصنيع الرقائق TSMC في «بناء القرن» هذا، لكن الفكرة فشلت فشلاً ذريعاً. في الصيف الماضي، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة TSMC، مارك ليو، أنّ إطلاق المصنع قد تأخر بسبب نقص العمال المهرة في الولايات المتحدة، قائلاً إن الشركة سترسل 500 عامل تايواني ماهر إلى أريزونا.
في الولايات المتحدة، تواجه TSMC العديد من التحديات، أهمها نقص العمالة الماهرة وارتفاع التكاليف مقارنة بآسيا. تشير تقديرات شركة ديلويت لمراجعة الحسابات إلى أنّ صناعة أشباه الموصلات في الولايات المتحدة سوف تعاني من نقص يتراوح بين 70 ألف إلى 90 ألف عامل في السنوات المقبلة. كما أنّ تكلفة بناء مصنع جديد للرقائق في الولايات المتحدة أعلى بنحو 30% إلى 50% عنها في آسيا، وفقاً لتقرير صادر عن جمعية صناعة أشباه الموصلات الأمريكية.
انتقد آرون بتلر، رئيس مجلس البناء والتشييد في أريزونا، إعلان TSMC «باعتباره محاولة لتعريض الوظائف الأمريكية للخطر وادعاءات TSMC المتنازع عليها بأنّ القوى العاملة الأمريكية تفتقر إلى الخبرة والمهارات اللازمة لإكمال البناء». وأضاف بتلر: «إن إلقاء اللوم على العمال الأمريكيين في مشاكل هذا المشروع هو إهانة للعمال الأمريكيين بقدر ما هو غير دقيق. تلقي شركة TSMC باللوم في تأخيرات البناء على العمال الأمريكيين وتستخدم ذلك كذريعة لجذب العمال الأجانب، الذين يمكنها دفع أجور أقل لهم».
لم يتمكن معظم المهندسين الأمريكيين الذين ذهبوا إلى تايوان للحصول على التدريب في عام 2021 من تحمل الانضباط القاسي والعمل المكثَّف في مؤسسات TSMC، وعادوا إلى الولايات المتحدة. قال موريس تشانغ، مؤسس TSMC، في هذا الصدد: «إذا تعطّلت السيارة في الساعة الواحدة صباحاً، فسيتم إصلاحها في الولايات المتحدة في صباح اليوم التالي. ولكن في تايوان سيتم ذلك في الساعة الثانية صباحاً».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1189