الحراك العمالي يتصاعد
دخل الحراك العمالي الفرنسي أسبوعه الثالث ويستمر ويتصاعد زخم الحراك وتتصاعد معه المطالب المرفوعة ليس فقط رفض الحراك العمالي لقانون التقاعد الذي طرح الرئيس الفرنسي تغييره، بل أيضاً احتجاجاً على مستوى المعيشة الذي وصل إليه العمال الفرنسيون قياساً بمستوى معيشتهم السابق، أي مرحلة الرفاه الاجتماعي التي كان يمولها الإمبرياليون من نهب الشعوب بالأطراف ليرشوا بها الحركات النقابية في دول المركز، ولتقوم بعملية ضبط محكمة للطبقة العاملة من حيث إمكانية حراكها.
ولكن هذا الوضع قد تغير، فلم يعد هناك رفاه اجتماعي ولم تعد حركة الطبقة العاملة مقيدة كما في السابق، وهذه التغيرات تحقَّقت بفعل الأزمة للرأسمالية التي شددت من نهبها للمجتمع بما فيه الطبقة العاملة، ولم تعد الامتيازات السابقة محققة، وهذا عزز درجة التناقضات بين قوة العمل ورأس المال الذي بدأ يأخذ أشكاله السافرة، أي في الشارع، والشارع مكان مناسب للمواجهة مع القوى الناهبة.
هناك تنظيرات طرحت سابقاً رهنوا فيها حراك العمال في دول المركز بتطور دور الطبقة العاملة في دول الأطراف التي ستقلِّص إمكانية النهب الجارية في دول الأطراف، مما سيقلص إمكانية المركز في رشوة الطبقة العاملة لديها، ما يعني زيادة حدة التناقضات، وبالتالي رفع حرارة الصراع ودرجة المواجهة التي ستتطور مع تطور وتعزز آليات النهب التي لم تعد تقتصر على شعوب الأطراف، بل تطال شعوب المركز.
إن دور القوى الفاعلة في الطبقة العاملة في دول المركز معيق في رسم وتفعيل خارطة الصراع مع القوى الرأسمالية، ويمكن أن نشير إلى دور اتحاد العمال المعروف بـcgt الذي هو معقل للشيوعيين الفرنسيين، وضعف هذا الموقع مع تبني الحزب لسياسة المهادنة التي حددها بأطر تمنع الطبقة العاملة الفرنسية من المواجهة، وتحدد المطالب التي تستوجب معها التصعيد من أجل تحقيقها، وهذا ما تم بالنسبة لقانون التقاعد حيث كان موقف الحزب من الإضراب أن يكون لساعات أو ليوم واحد، أي إضراب تحذيري، ولكن هناك قوى فاعلة كانت محسوبة على الشيوعيين الفرنسيين وهي من الكوادر العمالية والنقابية أخذت زمام المبادرة وذهبت باتجاه التصعيد رفضاً لقانون التقاعد المقترح، وسحبت معها قوىً إضافية من النقابات والطبقة العاملة بحيث نزل إلى الشارع ما يقارب الثمانمئة ألف عامل في يوم واحد حسب تقديرات الحكومة الفرنسية، وهذا الرقم ليس مستغرباً على الطبقة العاملة الفرنسية صاحبة الإرث الكبير في الصراع مع القوى الرأسمالية، وخبرتها المتكونة تاريخياً ستسمح للعمال والنقابيين الفرنسيين أن يستكملوا نضالهم خارج إطار الأحزاب التي استنفذت دورها في أن تكون قائدة للطبقة العاملة، ومقولة الأطراف والمركز يبدو أنها لم تصمد مع اشتداد أزمة الرأسمالية لأن وقع الأزمة يطال الجميع دون استثناء، والدليل أنَّ الحراك العمالي الجاري في أوروبا الطرفية اليونان وإيطاليا وإسبانيا ودول أسيا يؤكد على أن الحراك العمالي يتصاعد ولن يخضع في حراكه للمركز والأطراف باعتبار أن الأزمة تطال الجميع، وتؤثر بالجميع مع اختلاف الشدة بالتأثير حيث يكون مرافقاً للوضع المعيشي المتدهور، وخاصةً في منطقتنا قمع معمم ومستوى متدن من الحريات السياسية والنقابية يحدُّ من إمكانية الحراك وتطوره ولكن على الرغم من ذلك تتمكن الطبقة العاملة في أحيان من انتزاع حق التعبير عن مصالحها.
إنَّ اشتداد الأزمة للرأسمالية يُعيد اصطفاف القوى في المجتمع، وبالتالي يوسع من دائرة المواجهة التي يخوضها المقهورون في حقوقهم ومعيشتهم لجهة استعادة زمام المبادرة وتغيير موازين القوى، وفي هذا السياق النضالي تنتج قوى الطبقة العاملة تعبيراتها السياسية وقادتها الحقيقيين المعبرين عن مصالحها الجذرية خارج إطار الفضاء الذي تكونت فيه العديد من القوى واستنفذت دورها ووظيفتها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 945