أين النقابات؟! عمال القطاع الخاص غير المنظم
وائل منذر وائل منذر

أين النقابات؟! عمال القطاع الخاص غير المنظم

ماذا يعني أن تكون بلا حقوق، بلا تعويض أو تقاعد، أو تأمين صحي، إجازة غير مأجورة، ساعات عمل غير نظامية، هذا ما يمكن تعريفه بعقد الإذعان. الطرفان العامل وأصحاب العمل، في صراع أبدي بين اليد التي تعمل واليد التي تقبض، العبد والمستعبد. 

قاسيون تكمل قراءة خريطة عمال القطاع الخاص غير المنظم، وتتعرف على معاناتهم من خلال بعض اللقاءات مع العمال في مواقع العمل، عمال المواسم يأتون من محافظة درعا والباقي من مهجري المحافظات الأخرى القاطنين في مدينة السويداء، عمال المواسم وهم الأغلبية ذات الخبرة والأجر الرخيص، وإمكانية استخدامهم من جميع الأعمار، بحيث يتم تجميع العمال، وكذلك نقلهم إلى الأسواق، في الموسم لا تشاهد في المحافظة سوى الشاحنات الصغيرة و(التراكتورات) المحملة بالنساء اللواتي بالكاد تظهر عيونهن.
خديجة عاملة أربعينية: منذ كنت صغيرة وأنا أعمل في الأرض من موسم إلى آخر، أما الأجر فهو يومي مع بعض الإكراميّات في آخر الموسم، وتستطيع أن تحصل على مؤونتك.
أبو أمير أحد العمال يقول: أُحسّ أنني ولدت في الحقل، أعمل منذ عشرين سنة، من مزرعة إلى أخرى فنحن على باب الله، أجري اليومي مع الإضافي يصل إلى 1500 ليرة في اليوم. عمال المواسم ينتقلون من موسم إلى آخر، من القمح والشعير إلى البندورة، ثم إلى كل خضار الموسم... فالزيتون والتفاح، عمال الورش ورشات صغيرة تحولت مع الوقت إلى معامل يقل عدد عمالها عن 10 عمال، من معامل الخياطة التي تمارس عملاً مكملاً للمعامل الكبرى فينحصر دورها في إنجاز مرحلة معينة من التصنيع، بعضها يشكل تجمعاً والآخر يندس بين التجمعات السكنية ريثما يستقر ويكبر.
في السويداء عشرات الورش لصناعة الألبسة الجاهزة والحقائب المدرسية وهناك ورش البشاكير والجوارب، بعضها يعمل بنول واحد أو اثنين، لهم مشاكلهم مع الخيط المحلي والمستورد، وبعضها يحتاج إلى 3 عمال لإدارة الورشة (المعمل الصغير).
هناك العشرات من المعامل التي تمارس قصّ الحجر البازلتي والرخام ثم تحويله إلى قطع بأشكال متعددة وصالحة للاستعمال، في تلبيس الأبنية وورش رصف الطرقات، يضاف إليها معامل البلاط والبلوك والرخام وبعض المعامل لا تفتح الباب لأحد، وعلى لسان موظف في التأمينات، هناك معامل لم يدخلها مفتش واحد، ولا يجرؤ على دخولها مديره. العامل في هذه المعامل يقول: رزق أبنائي أهمّ، وأعمل بلا تأمين، أفضل من الشارع، ويُعزّي نفسه: أنّ المعلم لن يتخلى عنه إن كم فمه. عمال القطاع السياحي، معلمو المطبخ يقدر أجرهم في الشهر 100 ألف ليرة، ولكن بلا حقوق أو مظلة تأمينية، يضاف إليهم عمال (المقاهي، المطاعم، الكازينوهات البسيطة) هم خارج التأمين، ويعملون بأجر زهيد وبدوام طويل، وبلا أية حماية اجتماعية.
يزن، يعمل في مطعم مأكولات سريعة قال: راتبي 40 ألف ليرة سورية شهرياً واعتمد على البراني في تغطية نفقات النقل ومصروفي الشخصي، غير مؤمن علي ولا أحصل على أية تعويضات، راتبي فقط.
عمال ورش البناء تحصل فيها أكبر نسبة من الوفيات والإصابات في صفوفهم، ويضيع حقهم في التأمين من أبسط وحدة إدارية، والتي تمنح رخص البناء، ولكن أغلب البلديات تمنح هذه الرخص دون الرجوع إلى التأمينات، وكذلك التأمينات تدّعي أنها وجّهت الكتب والقرارات إلى هذه الوحدات الإدارية، لكنها لا تستجيب، وهي لا تملك الحق في التحصيل، علي أحد عمال البناء سقط من على السقالة أثناء عمله في مهنة الطينة «الورقة» مما أدى إلى شلل في أطرافه السفلية، الأمر الذي أدى إلى فقدانه مورد رزق كانت تعتاش منه
عائلته المؤلفة من أربعة أفراد. وأصبحت عائلته تنتظر الهبات والتبرعات التي تقدمها بعض الجمعيات الخيرية لهم.
المرأة العاملة، إنها المقهورة، المستلبة في ورش الخياطة، معامل الحلويات، الجوارب، العلكة، المنظفات.. إلخ ساعات عمل طويلة، أجور زهيدة، الفرصة بالنسبة لهنّ لا يعوضها شيء، غير مسجلة بالتأمينات الاجتماعية ولا تحصل على الطبابة الكاملة وإجازات الأمومة، وأيُّ تغيب عن عملها يعني فصلها من العمل وفقدان مورد الرزق. إحدى العاملات في شركة للكونسروة قالت: أنا أعمل منذ عشر سنوات في تعليب العصائر، وقد أصبت بعدة جروح جراء كسر الزجاجات أثناء التعبئة، لا توجد وسائل السلامة المهنية، واكتشفنا مؤخراً أننا مطالبون بدفع اشتراكات مؤسسة التأمينات الاجتماعية لمدة سنتين، كون رب العمل لا يدفع اشتراكاتنا التي تم اقتطاعها من رواتبنا، عمال القطاع الخاص يخضعون اليوم للقانون /17/ لعام 2010، الذي يمنح أرباب العمل اليد العليا في تحديد أجور العاملين والمكافآت، بالإضافة إلى قدرة رب العمل على تسريح العمال، فالعقد شريعة المتعاقدين، ومن يملك يحكم ويفرض شروطه.
تقسيم الحركة العمالية بين عام وخاص، وإخضاع كل منها لقانون ساهم في حرمان العمال من العديد من الحقوق والمكتسبات لصالح أصحاب العمل. تُقدَّر نسبة العاملين في القطاع غير المنظم بحوالي 60% من قوة العمل العاملة في سوق العمل، منها حوالي 56% يعملون في قطاع الزراعة حسب تقديرات منظمة العمل العربية، والمركز السوري لبحث السياسات لعام 2002 و2010، لكن يبقى السؤال: هل العامل السوري في القطاع الخاص غير المنظم في أمان؟ الواقع يؤكّد: أن العامل في القطاع الخاص ما زال يعيش في عصر الظلام الإنساني، مُغيب عن حقوقه بفعل ذات القانون الذي يُحِقُّ لربّ العمل ما لا يُحِقُّ للعامل، وهو بمثابة الآمر النّاهي في كل الأمور، والعامل يوقع صك التنازل عن حقه في العمل في عقد العمل نفسه، وفي انتظار أن تقوم النقابات في دورها المناط بها في الدفاع عن حقوق العمال ومصالحهم بكافة الوسائل، بما فيها حقها الدستوري في الإضراب، هذا الحق الذي مارسته الطبقة العاملة في كل أصقاع العالم، ومنها الطبقة العاملة السورية دون إذن مسبق، لأن المصالح والحقوق العمالية تدفع العمال للتفكير الجماعي بالأشكال التي لابدَّ من إتباعها، للدفاع عن مصالحهم ضد الاستغلال الذي يتعرضون له، خاصة في ظل تشريعات قانونية، تجيز لأرباب العمل
ممارسة الاستغلال ونهب الحقوق وتجاوزها، وكأن تلك القوانين قد فصّلت على مقاسهم لتأمين حرية أعلى في السيطرة والهيمنة، وفي المقابل، تحرِم العمال وبقوة القانون حقهم في الدفاع عن مصالحهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
927