قانون جديد لفضاء جديد (1)
تنتهي صلاحية أي قانون ما، حين يُمسي بمجمل ركائزه ومرتكزاته ومواده وإجراءاته التنفيذية عاجزاً عن أداء دوره المفترض، بل إن هذه الصلاحية المنتهية تتحول إلى أداة تحت الطلب تُستخدم باستمرار من قبل قوى الإعاقة من أجل إعاقة أي تطور ممكن.
ويصبح من المستحيل في أية حال من الأحوال التقدم ولو لخطوة واحدة إلى الأمام، أو على أقل تقدير تفادي التراجع المتلاحق والمستمر، ولأن القوانين بشكل عام هي صناعة زمنها ومرحلتها التاريخية ومجمل الظروف العامة المحيطة بها، فإن قدرتها على الحياة مرتبطة أشد الارتباط بتلك الظروف والمراحل التاريخية، وبما أن بقاء الحال من المحال، وللتاريخ قوانينه الموضوعية ولكل مرحلة شروطها وانعكاساتها الموضوعية، فلا بدّ لكل ذي عقل وحكمة أن يلتقط التغيرات ويُسرع للحاق بحركة المتغيرات المتتالية، ولعل هذه المقدمة المقتضبة تنطبق على ما آلت له أحوال الطبقة العاملة وحركتها النقابية مع القانون الضابط لها، ألا وهو قانون التنظيم النقابي 84 لعام 1968 هذا القانون الذي وُلد في مرحلة تاريخية محددة من تاريخ البلاد لها ظروفها وعواملها المؤثرة، وفضاؤها السياسي الخاص بها، والذي بدأ بالانحسار أمام تشكل الفضاء الجديد.
تغيّر القانون ضروري وغير كافٍ
لقد أعلن قانون التنظيم النقابي عن شيخوخته مراراً وتكراراً، إلّا أنّ هذا الإعلان بمؤشراته الكبرى لم يكن كافياً عند أصحاب القرار للذهاب لتطويره وتعديله، رغم كل مطالبات الحركة النقابية والقوى الممثلة للطبقة العاملة، وليصبح مع مرور العقود من أهم مسببات التراجع الذي أصاب الطبقة العاملة وتنظيمها النقابي، وأعلى متاريس القوى المستفيدة منه، وهذا لا يعني طبعاً بأن التغيير في قانون التنظيم النقابي سينهي المسألة ويحسم الأمور وتدخل الطبقة العاملة للنعيم، لكنه سيكون مفتاحاً أساسياً يضاف إلى مجموع مفاتيح الولوج لفضاء التغيير المطلوب، وعليه فإن المطلوب اليوم من كل القوى العمالية الوطنية أينما كان موقعها واصطفافها السياسي العمل على وضع رؤاها المستقبلية للقانون المناسب للفضاء السياسي الجديد ولمصلحة الطبقة العاملة بأسرها.
من أين نبدأ؟
من أين نبدأ؟ دائماً ما يكون هذا السؤال محور نقاشات العمال والنقابيين الهادفة للوصول للقانون المنشود، ولعل الجواب عن هذا السؤال البسيط يقودنا إلى بناء القانون بأسس متينة دون الانزياح عن الغاية الأساسية، لا بد أن ينطلق القانون من الثابت الأول: ألا وهو ضمان حقوق للعمال، بمعنى آخر ضمان حق العامل في صناعة القرار دون وصاية أو هيمنة أينما كان مصدرها سواء من داخل التنظيم النقابي أو خارجه، وبالتالي ضمان حريته السياسية والنقابية، وهذا بدوره كفيل بصياغة القانون على أرضية ثابتة لا خلل فيها أو فراغ، إن الطامة الكبرى في القانون الحالي تلك المركزية العالية التي قزَّمت إرادة العمال وحدّت من تأثيرها، مما جعل إمكانية مصادرة موقفهم ورأيهم شديدة، والقدرة على الهيمنة على قرارهم أشد، فابتعدوا عن مواقع القرار الحقيقي سواء في قطاع الدولة أو في القطاع الخاص، مما أضعف التنظيم النقابي في مواجهة الخصوم، فقوة أي تنظيم مستمدة من قوة عمّاله وقواعده لا من مصدر آخر.
من تحت لفوق
لا بدّ من الاعتراف بالدرجة الأولى بأهمية القواعد العمالية، وبأن البناء التنظيمي لا بد أن يكون بناءً يعتمد على نظرية (من تحت لفوق) وهنا أيضاً يمكن طرح الأسئلة اللاحقة التي تعتبر ركائز أساسية عند صياغة قانون يمثل مصلحة الطبقة العاملة، ويتناسب مع المرحلة التاريخية والآفاق المنظورة، وعلى رأس تلك الأسئلة: هل من المفيد البقاء على الهيكل التنظيمي الحالي وهل هو مناسب أم يجب تعديله وتطويره بما يتلاءم مع الواقع وبالاستفادة من التراكم الطويل الذي خبرته الحركة النقابية لأكثر من خمسة عقود؟ ما طبيعة الهيئة العامة المفترضة ودورها وكذلك اللجنة النقابية؟ كيف نصيغ قانوناً يستقطب عمال القطاع الخاص؟ وكيف نوقف خسارة التنظيم النقابي لهذه القوة الهائلة؟ وللحديث صلة ....
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 925