الاحتكار والدولار... ماذا بعد ؟
أصحاب العقد والحل في الحكومة تراهم كالنحل في حركتهم وتصريحاتهم التي تكون نارية في مكان، وبرداً وسلاماً في مكان آخر، وكان آخرها ما صرح به رئيس الحكومة من أن الحكومة قادرة على تخفيض الأسعار بتدخلها عبر الاستيراد المباشر إن استمر المحتكرون في رفع أسعار بضائعهم، وهذا التصريح يحمل في طياته قضيتين أساسيتين مرتبطتين بالسياسات الاقتصادية المتبعة وعلاقتها بقوى رأس المال والاحتكار.
أولاهما: أن الحكومة مستمرة بسياستها التي تؤمن مصالح تلك القوى الباغية على لقمة الفقراء. وبالتالي، كل الطرق مفتوحة أمامهم لتحصيل أعلى من الثروة المنهوبة التي ينتجها هؤلاء الفقراء بكل طبقاتهم.
الثانية: أن الحكومة تقر بانسحابها من مهامها الأساسية التي كلفها بها الدستور، وتسليم تلك المهام التي لها علاقة مباشرة بحاجات الناس الأساسية كالغذاء والدواء والمحروقات وغيرها من القضايا التي تنعكس تأثيراتها المباشرة على احتمالات خطيرة سياسية واجتماعية، وهذا ما تسعى إليه تلك القوى التي ترى باستمرار الأزمة استمراراً لمصالحها، من خلال ما يجري من تلاعب بقوت الشعب وحاجاته الضرورية، التي تبدلت كثيراً مع تعمق وتوسع ظاهرة الفقر والتهميش، ومع تطور ظاهرة النهب والاحتكار والتحكم بلقمة «الغلابة» والمحرومين، تحت حجة ارتفاعات سعر الصرف للدولار الذي يبشرنا بعض الخبراء الاقتصاديين بتصاعده المستمر إذا ما بقيت الأمور على حالها،
هذا الدولار اللعين، الذي تتلطى خلفه تلك العمليات كلها، التي محصلتها نهب الثروة ومركزتها، لتكون النتيجة كما نرى؛ كارثة إنسانية عميقة تُصيب شعبنا في مستوى معيشته إلى الحدود التي لم تعد محتملة.
إن العنف الذي يمارسه أصحاب الدولارات على الفقراء، يوازي إن لم يكن يزيد عن العنف الذي أصاب السوريين وشردهم من ديارهم، وحولهم إلى لاجئين في أركان المعمورة، والحرب على لقمة الفقراء- كما هو واضح- مفتوحة، ولا مؤشرات على احتمالات هدنة لإيقافها كما جرى في المعارك العسكرية، طالما بقيت قوى الفساد والنهب الكبيرة، تسرح وتمرح دون روادع حقيقية، تُمكن المتضررين الذين طفح كيلهم، من الدفاع عن حقهم المنهوب «على عينك يا تاجر».
إن استمرار الوضع على ما هو عليه يُنذر بمخاطر كبيرة أيضاً، حيث الخيارات أمام الفقراء- وهم الأغلبية المطلقة، ومنهم العمال- محدودة. وهذا يعني: أن القوى الوطنية وفي مقدمتها الحركة النقابية، لابدّ لها من تحمل مسؤوليتها في الدفاع عن لقمة الشعب المنهوبة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 920