السياسات النقابية كيف ستكون؟
بدأ العد التنازلي للإعلان عن نهاية الدورة الإنتخابية الـ 26، والتحضير للدورة الإنتخابية الـ27، والتساؤلات التي تطرح هي: شكل ومضمون الإجراءات التي ستُتّخذ لإنجاز الانتخابات القادمة، هل هي ضمن نفس السياق العام الذي جرت فيه في الدورة السابقة؟ أم هناك تعديلات يمكن اعتمادها لإنتاج كوادر نقابية سِمتها الأساسية أنهم قادمون من خطوط الإنتاج على أساس قناعة العمال بقدرة هؤلاء المرشحين على تحمل مسؤولياتهم في الدفاع عن مصالحهم وحقوقهم، بالوسائل والطرق التي تكفل تحقيق ذلك؟
وهذا إن تم سيؤدي إلى تغيّر نوعي في وزن الحركة النقابية من حيث هي كيان سياسي وطبقي، في مواجهة القوى الطبقية الآخرى التي خَبَر العمال أفعالها وسياساتها على مدار عقود من الزمن، وكانت النتائج كارثية على المستوى المعيشي للعمال، وكذلك على حقوقهم المفترضة الاقتصادية- السياسية والديمقراطية النقابية كما جاءت بالدستور السوري.
المؤشرات التي ستسير عليها الانتخابات القادمة لم تتضح بعد بالقدر الكافي والمصارحة الحقيقية عن تجربة العمل السابق بين العمال والنقابات لم تقدِّم ليصار نقاشها بالطرق والأشكال التي تؤدي إلى رسم البرنامج القادم للحركة النقابية، الذي من المفترض أن يأخذ بالاعتبار مجمل التغيرات السياسية والاقتصادية بما فيها دور قوى الفساد الكبير الذي هو بوابة الأزمات ومفجرها، ودور السياسات الاقتصادية الليبرالية، وانعكاساتها الرديئة على الاقتصاد الوطني ومصالح العمال والفقراء بشكل عام، مما يتطلب تغييراً في الرؤية والأدوات التي تبنتها الحركة النقابية ونقطة الانطلاق في هذا أن تكون للعمال كلمة الفصل فيمن يكون مرشحاً للانتخابات القادمة دون تدخلات مباشرة في خياراتهم واختياراتهم أي: أن يتم رفع الوصاية عنهم بما سيقررون.
المكتب التنفيذي قدم تقريره كالمعتاد، وكذلك اتحادات المحافظات، والمعتاد بهذه الاجتماعات حضور أركان الحكومة ليجيبوا عمّا يطرحه أعضاء المجلس في مداخلاتهم وهي عامة ومواربة.
غالباً ما تكون المداخلات تعكس الواقع في المنشآت الإنتاجية والخدمية، وكذلك الواقع المعيشي للعمال، وجملة المطالب والحقوق العمالية، وهذا مهم في الإطار العام ومع تكرارها، يجري تدويرها من اجتماع لآخر دون إيجاد الحلول الكفيلة بتحقيق تلك المطالب تحت حجج مختلفة، تقدمها الحكومة كَردٍّ على تلك المطالب، وأهمها: نقص الموارد التي أصبحت الشماعة التي تعلق الحكومة عليها رفضها وتسويفها لتحقيق جملة الحقوق العمالية، وفي مقدمتها: زيادة الأجور التي تتآكل كل يوم بسبب الارتفاع المتواصل للأسعار، بالرغم من أن التصريحات النقابية، تقول: إن معظم المطالب التي قدمت للحكومة في اجتماع المجلس السابق قد نفذت، ولكن متى وكيف؟ علمها عند المصرّحين بها والحكومة.
انعقاد المجلس العام للنقابات الآن أي: لحظة حدوث تطورات هامة في مسار الحل السياسي للأزمة السورية، وكذلك يأتي انعقاد المجلس في ظل التصعيد الحكومي تجاه المطالب الأساسية لفقراء الشعب السوري، في الغاز والكهرباء والمازوت وسعر الصرف وارتفاع الأسعار وضَعْف الأجور وفقدها لقيمتها الحقيقية، وعدم قدرتها على تلبية الحاجات الضرورية، هذا من جانب، والجانب الأخطر في اللَّين الحكومي مع قوى رأس المال بألوانهم وأشكالهم المختلفة، الذين باتوا قاب قوسين أو أدنى من الاستيلاء حتى على الهواء الذي هو مشاع.
إن انعقاد المجلس في ظل كل هذه التعقيدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية يضع القوى الوطنية، ومن ضمنها الحركة النقابية أمام مسؤولياتها الوطنية تجاه الدفاع عن القضايا الأساسية لحقوق أغلبية الشعب السوري في ثروته المنهوبة، ومنها: قطاع الدولة، والدفاع عن حقه في قول كلمته، أي: حرياته السياسية والديمقراطية.
إن انعقاد المجلس: هو محطة هامة للحركة النقابية والطبقة العاملة السورية، إذا ما تمكن من تقديم إجابات عن التساؤلات العديدة التي يطرحها الواقع الصعب الذي يعيشه الاقتصاد الوطني، ليس بسبب الأزمة فقط مع أهمية الصعوبات الناجمة عن الأزمة، ولكن أيضاً بسبب السياسات المستمرة التي تزيد من تعقيدات الوضع الاقتصادي، وتجعل من إمكانية استنهاضه عبر العملية الإنتاجية أمراً في غاية الصعوبة، لأن هوى الحكومة وأصحاب القرار ليس في الإنتاج، ولكن في اتجاهات أخرى تُعزز من مركزة الثروة في أيدي قلة من السوريَّين على حساب الأغلبية الفقيرة، التي تتجسد مصلحتها الحقيقية والجذرية في توزيع عادل للثروة المنهوبة بأشكال وألوان شتىَّ.
انعقاد المجلس هامّ من أجل بلورة رؤية وخطاب مختلفين تجاه السلوك الحكومي بما يتعلق بحقوق ومصلحة الطبقة العاملة، ولم يعد نافعاً للحركة النقابية الاستمرار في اعتماد مقولة نحن والحكومة في مركب واحد وشركاء، لأن مركب الحكومة يختلف عن مركب العمال، وبالتالي، الاعتماد على نفس الأدوات السابقة من أجل التحصيل والدفاع عن الحقوق والمصالح لم تجد نفعاً طوال العقود المنصرمة، لا بل أوصلت الطبقة العاملة إلى حافة الجوع في الوقت الذي يستثمر الكثيرون في جوعهم، ويعتبرونهم أبطالاً، والبطولة حسب منطق هؤلاء تقتضي التحمل وشد الأحزمة إلى ما لا نهاية، وهم بالمقابل في نهبهم ينعمون.
انعقاد المجلس يكتسب أهميته الآن من أجل بلورة موقف واضح وقوي من جملة المشاريع التي تتبناها الحكومة، وهي قوانين تحمل في مضمونها مخاطر جدية على الاقتصاد الوطني، مثل: قانون التشاركية. إن اجتماع المجلس أخيراً، لا بدَّ أن يبرز التوجهات اللازمة للشكل والمضمون الذي ستجري على أساسه الانتخابات النقابية القادمة، والمفترض أن تكون خارج دائرة المادة الثامنة المعمول بها حتى اللحظة، والتي جعلت الطبقة العاملة السورية والحركة النقابية مغلولة اليدين في الدفاع عن الحقوق والمصالح الاقتصادية والديمقراطية النقابية بما فيها حقها بالإضراب.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 915