هل التغييرات الإدارية مجدية؟
 ميلاد شوقي  ميلاد شوقي

هل التغييرات الإدارية مجدية؟

قامت الحكومة الجديدة ببعض التغييرات الإدارية من خلال إعفاء بعض المسؤولين من مناصبهم، وتغيير عدد لا بأس به من المدراء العامين أو معاونيهم في عدد من المحافظات، في محاولة لإظهار الحكومة وكأنها حكومة استثنائية تقود عملية تغيير حقيقية ستخرج  البلاد من أزمتها الحالية , كما يحب الإعلام الترويج لها وأن التغييرات التي تجريها الحكومة كنّا بأمس الحاجة لها منذ سنوات وأن الشعب بدأ يلمس الفرق الإيجابي لهذه التغييرات !! 

 

المشكلة بالسياسات وليست بالاشخاص 

سياسة حكومتنا العتيدة لا تختلف عن سياسة الحكومات السابقة بل تعتبر مكملة لها وتسير على الطريق نفسها فمازالت الليبرالية الاقتصادية و اقتصاد السوق الاجتماعي هي سياسة الحكومات كلها التي تعاقبت على البلاد منذ عام  2005 لم تختلف سوى الوجوه فقط , اليوم تحاول السلطة امتصاص الاحتقان بالشارع وإظهار هذه الحكومة بأنها غير الحكومات السابقة كلها وانها تحارب الفساد والمحسوبيات وستطهر مؤسسات الدولة من الفساد وستعطي فرصة للكفاءات الشابة وذلك كله عبر بعض التغييرات الشكلية والتجميلية في الأشخاص (وكأن مشكلتنا شخصية مع هؤلاء ,) لكن طبعا مع الإبقاء على السياسات السابقة نفسها التي عمقت الفساد ووسعته .

التغيير مطلوب وضروري ولكن أي تغيير تحتاجه البلاد للخروج من أزمتها؟ هل تغيير مدير هنا أو محافظ هناك أو معاون في دائرة ما سيحل الأزمة  التي تعاني منها البلاد أو ستخفف من حدتها على المواطن ؟  بكل تأكيد لأ فمهما كان المسؤول الجديد شريفاً وجيداً ويتمتع بقدر عالٍ من الكفاءة لن يستطيع التأثير ولن يستطيع القيام بمهامه بسبب تشعب قوى الفساد الكبير وتحكمها بجهاز الدولة وتسييره  بما يخدم مصالحها فقط  ومصالح فئة قليلة من المجتمع وليس وفق مصالح غالبية الشعب  وسيغدو المسؤول الجديد منفذاً للسياسات التي تطرحها قوى الفساد الكبير فقط لا غير .

هل اصلاح الوظيفة العامة

 يكفي ؟

الطرح الذي تطرحه اليوم بعض الجهات على أن إصلاح الوظيفة العامة ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب من أهم ما تطلبه المرحلة الحالية وهو بوابة لمكافحة الفساد هذا الطرح أثبت فشله عملياً على أرض الواقع, من المؤكد أن إصلاح الوظيفة العامة شيء هام و ضروري ومطلوب إيصال الكفاءات إلى المواقع التي تستحقها ولكن هذا يمكن تطبيقه بعد مكافحة الفساد الكبير ويعد إكمالا له لا قبله لضمان نجاحه , فالفساد قادر على شل أي عملية إصلاح وإجهاضها وتسييرها لمصلحته لدرجة  أنه قادر في بلادنا على تعطيل تطبيق القوانين أو تشويهها,  والمشكلة هي بالفساد الكبير وليس الصغير لأن الكبير يحمي الصغير ويؤمن له الحماية من المسائلة والفساد الكبير قسم منه أصلا موجود خارج جهاز الدولة ولكنه في الوقت نفسه قادر على التحكم بمؤسسات الدولة  بسبب علاقاته وتشعباته وسطوته.

ما هو التغيير المطلوب؟ 

المطلوب للنهوض بجهاز الدولة لكي يتحمل مسؤولياته في المرحلة المقبلة  وخصوصاً في المرحلة القادمة  ليست هكذا تغييرات , فالمطلوب مكافحة جدية للفساد والكبير منه قبل الصغير وهذا يحتاج قبل كل شيء إلى تغيير جذري وشامل في مجمل السياسات الاقتصادية والاجتماعية والعدول عن السياسات الليبرالية التي شرعت الفساد وعمقته وتسببت في إفقار 80 % من الشعب السوري بسبب نمط توزيع الثروة القائم لمصلحة فئة قليلة من المجتمع التي تسير جهاز الدولة لمصلحتها ما أدى إلى فقدان ثقة المجتمع بالدولة ومؤسساتها واعتبارها عدواً لهم ومهد الأرضية المناسبة لانفجار الأزمة الحالية ,وأن إعادة ثقة المجتمع بالدولة ومؤسساتها تتطلب السير بعكس هذه السياسات فتسيير جهاز الدولة لمصلحة الغالبية العظمى من الشعب وتعديل نمط توزيع الثروة لمصلحتهم وإشراك الجماهير بالمعركة ضد الفساد عبر إعطاء الحريات الكاملة لها والسماح للشعب  بتنظيم صفوفه لفضح مواقع الفساد مع ما يتضمنه ذلك من تفعيل لعمل النقابات والعمل على استقلالها لأن العمال هم رأس حربة في هذا الصراع، وموجودين داخل القطاع العام وهم أصحاب المصلحة الأولى في حمايته من الفساد الذي يسعى إلى إنهاء دور القطاع العام  وتصفيته .

لم تعد تنطلي على الشعوب التغييرات التجميلية التي تحدثها الأنظمة كل فترة في محاولة منها لتشويه التغيير الذي تنشده الجماهير وتسعى إليه وباتت الحكومات تضحك على نفسها لا على شعوبها فالشعوب اكتسبت خبرة كافية وباتت تعرف تماماً أي تغيير تريد! .

معلومات إضافية

العدد رقم:
786