نظرة على مهن البناء

إن الحرف التي تختص بعملية البناء كانت تشكل مجالاً حيوياً واسعاً لتشغيل الأيدي العاملة، وهذه الحرف كلها كانت تعتمد على بعضها في البناء بعملية متسلسلة متشابكة، بحيث لا يستطيع صاحب مهنه أن يعمل في الورشة قبل انتهاء ورش أخرى من العمل، كما أنهم شكلوا في بعض الأحيان وحدة في العمل، وكان كل معلم مهنة يعمل معه عاملان أو أكثر في ورشه واحدة.

 

اليوم وبعد توقف العملية العمرانية وارتفاع أسعار مواد البناء وقلة الطلب، أدى ذلك إلى تسرب أصحاب هذه المهنة إلى أعمال أخرى بالنتيجة.

مهن كانت ذهب

 في حديث لي مع معلم بلاط قال لي: «كنت أستلم الورش وكان يعمل معي عشرة عمال، نتقاسم العمل في الورش، وكنا لا نتوقف أبداً، فما أن ننتهي من ورشة حتى نبدأ بغيرها، وكانت مصالحنا مثل الذهب، أما اليوم فأنا أعمل «شوفير» سرفيس ولا أعلم ما حل بالعمال الذين كانوا يعملون معي».

أبو عامر معلم صحية: «في السابق كنت أستلم ورش كبيرة وكان يعمل معي عاملان، أما اليوم لا يوجد عمال ويعتمد عملي على التصليحات في المنازل، وهي غالباً ما تكون ترقيعات، لأن أصحاب المنازل أصبحوا مع ارتفاع أسعار المواد لا يطلبون تصليح الأعطال إلا إن كانت كبيرة، وعندما يطلبوني للتصليح يرجوني صاحب المنزل لأقنن في التكاليف، وهذا ينعكس على أجري أيضاً.

غيث معلم كهرباء عند سؤاله عن مهنته وما حل بها قال مستهزئاً: «الشغل «باللوج» لولا انقطاع الكهرباء لتوقف عملي، في السابق كنا نعمل في تمديدات الشقق من السواد إلى البياض، أما اليوم فعملي حُصر بتركيب اللدات وبطاريات للمنازل والمحال التجارية و«يادوب عايشين». 

ماهر كان قبل الحرب عامل بناء أما اليوم فيعمل بالفعالة قال: «إنه يعمل يوم مقابل عشره أيام في انتظار عمل آخر». 

كما تجد من هؤلاء المعلمين من أصبح يعمل في مهن أخرى بالإضافة إلى عمله، كحال أبي سامر؛ فمهنته الأساسية التي عمل فيها طوال عمره طلاء المنازل، ولكنه اليوم إذا لم يحصل على ورشة للطلاء قد يعمل في الكهرباء أو التمديدات الصحية للمنازل، فهو كما وصف نفسه مسبع الكارات. 

عمال البناء في الخارج

 ليس جديداً على أصحاب هذه المهن السفر إلى دول الجوار للعمل في مصالحهم، فقد استقطبت لبنان بشكل خاص آلاف الحرفيين في فترة إعادة الإعمار، وكانوا منتجين يوماً ويعملون وفق شروطهم ويأخذون أجراً جيداً نسبياً آنذاك في عملهم بين لبنان وسورية، ولكن الفارق اليوم أنهم يعملون مضطرين في دول الجوار وفق شروط عمل قاسية ومجحفة في حقهم، بعد أن توقفت حركة العمران وهروبهم مضطرين تحت وقع المأساة السورية للبحث عن مصدر رزق، فاليوم يعمل في لبنان وحدها نحو 350 ألف عامل سوري، بحسب تقديرات نقابة المقاولين اللبنانيين، ويعمل هؤلاء العمال في ظروف عمل قاسية، كما أنهم محرومون من الحد الأدنى للأجور ومن التأمينات الاجتماعية، مع العلم بأن إصابات العمل التي قد يتعرضون لها لا يعترف عليها المقاول، ويتقاضى العامل أجرا ً يبلغ 20 دولاراً يومياً، وأجرة المعلم 30 دولار مقابل ١٢ ساعة عمل، وهذا خرق لاتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 1 التي اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية الدورة الأولي، بتاريخ 29 تشرين الأول/أكتوبر 1919 والتي تقضي بثمان ساعات عمل.