من يوقف الحكومة
تتساءل الطبقة العاملة، شأنها شأن مختلف الشرائح الكادحة وصغار المنتجين والصناعيين، عن استمرار التمادي الفاضح للسياسات الاقتصادية والنقدية التي تمارسها الحكومة، وعن آلية إيقافها، قبل أن يتحول هذا الانهيار الجزئي للاقتصاد الوطني وللوضع المعيشي إلى انهيار تامٍ يودي بالبلاد والعباد لغياهب المجهول.
إنكار مستمر والحرب شماعة
منذ بدء الأزمة تبنت الحكومة فكرة المؤامرة الخارجية، رافضة الاعتراف بأحد الأسباب الرئيسية لتفجرها، ألا وهي السياسات الاقتصادية الليبرالية التي رفعت معدلات الفقر والبطالة والتهميش لمستويات فعلت فعلها بالبلاد، وما إنكارها لها إلا لنيتها الاستمرار بهذه السياسات، فتخلصت من أغلبية الدعم الحكومي على المواد الأساسية والإستراتيجية، تحت يافطة (عقلنة الدعم)، ورمت بالاحتياطي النقدي لشركات الصرافة بشكل دوري، بعنوان التدخل الإيجابي، ووقعت عقد الخليوي بتنازل مخزي عن مليارات الليرات، ومولت التجار بالقطع الأجنبي، والكثير من هذه الإجراءات، وما خفي عن الناس كان أعظم، فوراء الأكمة ما وراءها.
أسباب موضوعية وليست وحيدة
بررت الحكومة سياساتها المستمرة خلال الأزمة، بالحرب الدائرة تارة وبالحصار الاقتصادي الظالم تارة أخرى، كما بررت تردي الوضع المعيشي للطبقة العاملة بضعف الموارد وتلاعب تجار الأزمة بلقمة الشعب، وتراجع الإنتاج الصناعي والزراعي، وصراحة القول بأن هذه الأسباب صحيحة وموضوعية، رغم إمكانية التخفيف من تداعياتها ومعالجتها لو أن الحكومة أرادت ذلك، بالإضافة لوجود أسباب أساسية أخرى، بطلاها الفساد الكبير وسياسات الحكومة.
من قال ... لا يمكن العلاج
الحصار الاقتصادي المفروض على البلاد يمكن كسره والالتفاف عليه، فالدول الصديقة للشعب السوري في الشرق لم ولن تتخلى عن مساعدتنا بالوسائل كلها، ولن نحتاج حينها سوى لدرجة عالية من المصداقية وكبح الفساد الكبير، وأما الحرب الدائرة فيمكن معالجة تداعياتها الاقتصادية بتبني اقتصاد الحرب المبني على أعلى دور للدولة، وأقصى إجراءات تضمن الأمن المعيشي للمواطنين، والذي بدوره سيضيق الهامش الكبير لإمكانية تلاعب تجار الأزمة بالرغيف، ويسخر الطاقات الموجودة كلها لتدوير عجلة الإنتاج واستمرارها وتطورها.
الحصة الكبيرة للفساد
إن للأسباب المذكورة حصتها من الوضع الكارثي الذي وصلت إليه الطبقة العاملة، وشركاؤهم في الشقاء، وتعود الحصة الكبيرة للسياسات الاقتصادية الحكومية ولماكينة النهب والفساد، التي جددت أدواتها وسرعت عملية نهبها، مستفيدة بشطارة من هذه السياسات. وما يزيد الأمر سوءاً عدم وجود دلالات تبشر بتوقف هذا التدهور، فمن سيوقف الحكومة، ومن سيسقط هذه السياسات التي أفقرت البرايا؟.
الحوار و ضرورة المرحلة
من البدهي القول بأن المعني بالوقوف في وجه الإجراءات الحكومية وقوى الفساد هم الأكثر تضرراً منهما، ولأجل ذلك فأمام الطبقة العاملة وتنظيمها النقابي مهمة هذا التصدي، عبر تصنيع رؤية وإقرار برنامج متكامل يمثل مصالحها ويحشد قواها ويفعل أدواتها، والخطوة الأولى تبدأ بفتح طاولة حوار جاد، يضم القوى السياسية المدافعة عن الطبقة العاملة جميعها، لتصويب الرؤية ووضع البرنامج وإطلاق العمل النضالي الواسع والكفيل بوقف التدهور المتسارع واستعادة الحقوق المسلوبة، تلك الحقوق التي انتزعتها طبقتنا العاملة عبر عقود من النضال الوطني والطبقي بالدم والعرق والإنتاج.