إنتاجية العامل في سورية خلال 6 عقود..
انتقلت إنتاجية العامل السوري لمستويات مرتفعة خلال 6 عقود من 1960 وحتى 2010، إلا أن التغيرات السياسية تحمل الكثير من التأثير على هذه الإنتاجية، سواء المعطيات السياسية التي أدت إلى تدفق الأموال إلى سورية بعد حرب تشرين، وصولاً إلى العقوبات الغربية وأزمة الثمانينيات، وانتهاء بمرحلة الليبرالية المستمرة إلى اليوم في سورية منذ مطلع التسعينيات تقريباً.
إن مجمل هذه المتغيرات، مع السياسات الاقتصادية التي كانت تمارس في المراحل المختلفة، بإيجابها وسلبها، كانت تؤثر على إنتاجية العامل السوري، أي مستوى مساهمة العامل السنوية في زيادة الناتج السوري، حيث أن رغبة السوريين وقدرتهم على العمل لم تتغير، ولكن تغير المعطيات الاقتصادية الأخرى هو المحدد، في تغير الإنتاجية، تقدمها أو تراجعها.
بالاعتماد على بيانات الإحصاء الدولية، من البنك الدولي، وunctad مكتب الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، نقدم جملة التغيرات في إنتاجية العامل السوري، مسعّرة بالدولار، المقيّم وفق دولار عام 2011، معدل وفق القوة الشرائية لليرة السورية في كل عام.
خمس نقاط علّام..
بأخذ رقم الإنتاجية في مطلع كل عقد، تتضح التغيرات والاتجاهات العامة:
البداية من عام 1960 حيث كانت إنتاجية العامل في سورية تبلغ: 6417 $ سنوياً، ارتفعت هذه الإنتاجية في عام 1970: إلى 8444 $ سنوياً، أما خلال عقد السبعينيات فقد ارتفعت الإنتاجية بمستويات كبيرة لتصل إلى 15814 $ سنوياً للعامل في عام 1980، ومن بعدها لم تزدد الإنتاجية في سورية بل بدأت في الانخفاض خلال الثمانينيات لتصل إلى 12741 $ للعامل في عام 1990.
أما في عام 2000 أي خلال عقد التسعينيات، فقد وصلت الإنتاجية إلى 13751 $ للعامل سنوياً، لتعود في عام 2010 إلى 15817 $ سنوياً.
22 عاماً من الاتجاه الصاعد
زادت سورية من إنتاجية عمالها بشكل كبير خلال عقدي الستينيات، والسبعينيات على وجه التحديد، حيث وصلت الإنتاجية إلى نقطة الذروة في عام 1981 وبلغت مساهمة العامل السوري في الناتج سنوياً: 16834 $.
أي منذ عام 1960، وحتى عام 1981، وخلال 22 عام ارتفعت إنتاجية العامل السوري بمقدار: 10417 $، وبنسبة زيادة 162%، أي تضاعفت أكثر من مرة ونصف.
وفي تفسير هذه الزيادة الكبيرة، لا بد أن نشير إلى وجود تدفق كبير للأموال إلى سورية من دول الخليج تحديداً، بعد حرب تشرين في عام 1973، حيث وصل متوسط التدفق السنوي إلى مليار ونصف دولار أمريكي سنوياً.
بالإضافة إلى عمليات توسيع الاستثمار الإنتاجي السوري خلال المرحلة من منتصف الستينيات وحتى منتصف السبعينيات تقريباً، أي وجد العمال السوريون ما يستثمرون طاقاتهم وإنتاجهم به، حيث كانت نسبة 30-52% من الدخل الوطني في سوريا توظف استثمارياً. وأدار جهاز الدولة في تلك المرحلة العمليات الإنتاجية، محققاً التشغيل الكامل تقريباً لكل القوى العاملة السورية.
وعلى الرغم من إيجابيات هذه المرحلة اقتصادياً، إلا أنها احتوت الكثير من الثغرات، أهمها توسع كبير للفساد الناتج عن الأموال المتدفقة من الخارج، بالإضافة إلى الاعتماد الكبير على ما تسمى (الريع السياسي) المذكور سابقاً، لدرجة أن تراجعه في الثمانينيات كان من أهم عوامل الأزمة الاقتصادية في حينه.
9 أعوام وخسارة ربع الإنتاجية!
اعتباراً من عام 1982 بدأت إنتاجية العامل السوري بالتراجع، حيث تراجع تدفق الأموال من الخارج، وتقلص إلى 300 مليون دولار سنوياً في منتصف الثمانينيات، بالإضافة إلى دور العقوبات الاقتصادية الأمريكية في تلك المرحلة.
حيث انخفضت الإنتاجية بين عامي 1982، وحتى عام 1990 بمقدار: 3840 $ سنوياً للعامل، بنسبة تراجع مقدار 23%، أي خسر عمال سورية، ما يقارب ربع إنتاجيتهم، خلال أقل من عشر سنوات.
عقود الليبرالية زيادة 18% فقط!
أما خلال عقود الليبرالية الاقتصادية في سورية، بمستوياتها، أي منذ التسعينيات، مروراً بتصاعدها منذ عام 2000 ، وصولاً إلى استكمالها في عام 2005 بتبني اقتصاد السوق الاجتماعي، فإن الإنتاجية في سورية لم تشهد تحسنات هامة.
حيث انتقلت سورية للاعتماد على القطاع الخاص، والاستثمار الأجنبي لاحقاً، وعلى توسيع قطاعات التجارة والمصارف، مع استمرارية منشآت الدولة الإنتاجية، لكن مع التضييق عليها، وتقليص وزن الاستثمار فيها، حتى تخسير جزء كبير منها، الذي أصبح سِمة هذه المراحل.
لم يتوسع القطاع الإنتاجي في سورية والتوظيفات الاستثمارية بشكل كبير في تلك المرحلة، وتراجع التشغيل في القطاع الإنتاجي العام، وكانت النتيجة، بأنه خلال 22 سنة من عام 1990 وحتى 2011، فإن إنتاجية العامل السوري ازدادت بمقدار: 2393 $ سنوياً، وبنسبة زيادة 18% فقط.
أي أن 22 عاماً منذ بواكير الانفتاح واللبرلة من عام 1990 وحتى 2011، لم تستطع أن تعوض ما فقدته إنتاجية العامل السوري، خلال تسعة سنوات من 1982 و وحتى 1990!.