دور البطالة والفقر في إشعال «الثورات العربية» (2 - 2 )
في الجزء الثاني والأخير من هذه المادة، من الهام أن نتذكر معاً التقرير الذي حمل عنوان «التشغيل والبطالة في البلدان العربية.. التحدي والمواجهة»، والذي قدمه مدير منظمة العمل العربية في الدورة الخامسة والثلاثين لمؤتمر العمل العربي.
وأشار فيه إلى حجم فرص العمل المطلوب استهدافه من التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العقد المقبل، موضحاً أن القوى العاملة العربية «تنمو بمعدل يفوق 3% سنويا أسرع من معدل نمو السكان البالغ 2% أو معدل نمو السكان في سن العمل 2.8 %، ما يحتم إيجاد 3.9 ملايين فرصة عمل جديدة سنويا».
كما جاء في تقرير للمنظمة العربية للتربية والثقافة أن عدد الأميين العرب بلغ أكثر من 70 مليون أمي (ثلثاهما من النساء) في العام 2005، وبنسبة تتجاوز 35% وهو ما يساوي ضعف معدل الأمية في العالم. وأضحت مشكلات البطالة والفقر والجوع سمة عامة في البلدان العربية قاطبة. ولو أخذنا بلداً نفطيا وغنيا كالسعودية، فإن المعطيات الإحصائية الرسمية المتوفرة تفيد بأن معدل البطالة يصل إلى أكثر من 10% في حين تتجاوز النسبة 26% بين الإناث، في حين تقدرها بعض المصادر الاقتصادية غير الرسمية فوق ذلك بكثير.
أقلية متنفذة تمتلك السلطة والثروة
إن من الدلالات الفاقعة على انسداد أفق التنمية المستدامة في البلدان العربية التدهور والتقلص الحاد لدور ومكانة الطبقة الوسطى التي تمثل دعامة الاستقرار والتوازن الاجتماعي والسياسي في المجتمعات الحديثة، حيث جرى تهميشها وإضعافها على جميع المستويات، وفي المقابل نشهد تعمق الفوارق الاجتماعية والطبقية في المجتمعات العربية بين الغالبية الساحقة من الناس وغالبيتهم من الشباب الذين يطحنهم الفقر والبطالة والحرمان، وبين أقلية متنفذة تمتلك وتحتكر مكامن السلطة والثروة والقوة.
ووفقا لتقرير أعده «أربيان بزنس» تضمن قائمة بأغنى 50 عربياً في عام 2010 وقد قدرت ثرواتهم بما يزيد على 245 مليار دولار، ومن بينهم 32 سعودياً يملكون ثروات تقدر بـ 166 مليار دولار، وهو ما يفوق الدخل القومي لعدة بلدان عربية مجتمعة، علما أن التقرير لم يشمل أصحاب المليارات الذين يفضلون أن يكونوا في الظل إما بحكم مناصبهم الحساسة أو لشبهة الفساد في مكونات ثرواتهم.
التمايزات الطبقية - الاجتماعية
هنا ومن مبدأ التصنيفات هذه لا بد من التذكير إن ثروات الحكام العرب والمقربين منهم لا يدخلون في هذا التقييم، غير أن ما رشح في ضوء التحركات الثورية الأخيرة يتبين كيف أن العديد من الحكام العرب وعائلاتهم والدائرة الضيقة المحيطة بهم، كما هو الحال في مصر وتونس وليبيا وغيرها، اكتنزوا ثروات هائلة تقدر بعشرات المليارات من الثروات النقدية والعينية.
إن الإحصاءات والأرقام والمعطيات المخيفة المنشورة تعكس إلى حد كبير حجم اتساع التمايزات الطبقية - الاجتماعية، ومدى الواقع المرير الذي تعيشه الغالبية الساحقة من الشعوب العربية، كما تبين مدى إخفاق غالبية السلطات والنخب العربية الحاكمة في تلبية أبسط شروط احتياجات الإنسان العربي في ضمان أمنه الحياتي والمعيشي، ناهيك عن إهدار حريته وكرامته وحقوقه الإنسانية الأخرى. بالطبع لا نستطيع أن نحصر أو نختزل أسباب الثورات العربية في جانب أو بعد واحد فقط هو الجانب الاقتصادي - المعيشي.
الخبز والحرية في الآن معاً
لكن من الواضح أن هناك سمات عامة مشتركة للبلدان والمجتمعات العربية رغم تباين نظمها الحاكمة، وفي مستويات تطورها السياسي – الاجتماعي، والثقافي، ومدى غياب أو الحضور النسبي لمؤسسات المجتمع المدني العابرة للهويات التقليدية الفرعية، وكذلك التفريق في طريقة وأسلوب تعامل الحكومات العربية مع تلك الأزمات والاحتجاجات كما حصل في تونس ومصر، وكما هو الحال في ليبيا وسورية واليمن وغيرها، حيث منسوب القمع المرتفع، وحيث الدماء سالت وتسيل بغزارة من جهة، وما هو حاصل في المغرب والأردن حيث يتم التغيير سلميا بوجه عام ومن خلال إصلاح النظام، وليس عبر إسقاطه من جهة أخرى. لكن في الحالات العربية المختلفة لا نستطيع تجاهل البعد الاجتماعي - الطبقي الرئيس، إلى جانب العوامل الاقتصادية والسياسية والثقافية المتردية، والمتراكمة على مدى عقود، والتي كانت بحاجة إلى مجرد شرارة لتقوم بدور المحفز والمفجر للحراك الشعبي والشبابي العارم، وغير المسبوق على امتداد العالم العربي، والتي يمكن اختزالها في بعدي الخبز والحرية في الآن معا.
وكالة أنباء العمال العرب