بصراحة: للدفاع عن الوطن ينبغي أن تكون النقابات مستقلة
الطبقة العاملة السورية لاعب أساسي في موازين القوى المحلية منذ تبلور ملامحها الأولى كطبقة لها مطالب وحقوق اقتصادية وسياسية وطنية، فقد تطور هذا الدور مع تطور حراكها وتصاعده باتجاه قضيتين أساسيتين:
رفع سقف المطالب العمالية كزيادة الأجور وتحديد ساعات العمال والضمان الصحي والاجتماعي إلخ.
بلورة تنظيم نقابي مستقل عن الهيمنة البرجوازية، وواسع يضم جميع النقابات بغض النظر عن الاتجاهات السياسية للأعضاء المنتسبين لهذه النقابات.
إن سير الحركة النقابية والعمالية بهذا الطريق لم يكن مفروشاً بالورود، ولم تكن الطرقات معبدة أمامهما لكي تحققا أهدافهما، بل دفعت الحركة العمالية والنقابية أثماناً باهظة من السجن والتشريد للمناضلين العماليين، ولكن عزيمة المناضلين لم تفتر بالرغم من تلك التضحيات الجسام، والسبب أن قضية الطبقة العاملة وحقوقها الاقتصادية والسياسية وقضية الدفاع عن الوطن تحتاج إلى أكثر من ذلك خاصة عندما يكون المناضلون أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الصمود والمقاومة، أو الركوع والاستسلام للقوى المعادية، سواءً كانت داخلية أم خارجية.
لقد طرأت على الحركة النقابية تطورات هامة من حيث البناء التنظيمي والبرامج والشعارات، وأشكال العمل خلال العقود الخمسة المنصرمة، فتغيرت معها الذهنية وأيضاً الحركة على الأرض، فأصبحت مرهونة للخطوط الحمر الكثيرة التي وضعت لها، حيث أفقدتها استقلاليتها وحدت من إمكانياتها في أداء دورها الكفاحي الذي وجدت لأجله، فأصبحت لا تتحرك خارج ما هو مرسوم لها من دور وأداء، والتجربة القريبة الماثلة أمامنا الآن مع السياسات الاقتصادية الليبرالية تؤكد صحة ما نؤكد عليه من تحليل لواقع الحركة النقابية، فكانت ومازالت عاجزة عن المواجهة الحقيقية مع تلك السياسات ومع آليات النهب الواسعة التي استقدمتها السياسات الليبرالية من خلال فتح الاقتصاد الوطني بمجمله على مصراعيه أمام أوسع عمليه نهب شهدتها بلادنا وأمام أكبر عملية انتهاك لحقوق الشعب السوري السياسية والاقتصادية، مع العلم أن الكثير من قيادات وكوادر الحركة النقابية كانت تشير وتؤكد على المخاطر التي تسببها السياسات الليبرالية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، كما كانت تلك الكوادر تؤكد على احتمالات حدوث انفجارات اجتماعية لا أحد يعلم بالمدى التي ستصل إليه تداعياتها وتأثيراتها على الوضع الداخلي برمته، بل الأسوأ من ذلك كان يجري الدفاع المستميت عن السياسات الليبرالية وممثليها في عقر دار الحركة النقابية، وذلك عبر تأكيد البعض بأنها سياسات صائبة وصحيحة ستحقق مطالب واحتياجات الشعب السوري في العمل والصحة والسكن والأجور المتناسبة مع الأسعار، أي ستؤمن للفقراء الكادحين السوريين المن والسلوى وأنهار العسل، كما كان يطرح أيضاً على الهامش الحفاظ على القطاع العام، والقطاع الخاص المنتج، بينما الواقع الحقيقي كان عكس ذلك، وكان يسير نحو الكارثة الحقيقية التي ستفجر كل شيء كما هو حادث الآن.
إن تلك الأكاذيب التي كانت تسوق على شكل أرقام وخطط في الخطة الخمسية العاشرة، لم تكن سوى ذر للرماد في العيون، بل كانت مؤشراً اقتصادياً وسياسياً لما ينتظر سورية من تحولات خطيرة نشهد نتائجها الآن على الأرض، والتي تتحمل جزءاً أساسياً من مسؤوليتها الحركة النقابية والقوى الوطنية الشريفة داخل النظام وخارجه، التي كانت درجة مقاومتها للسياسات الليبرالية ليست بالمستوى الكافي لقطع الطريق عليها من أجل التخفيف من آثارها الكارثية على سورية شعباً وجغرافيا، والتي نعيش مشاهدها وأحداثها المأساوية الأن، حيث ينزف الدم السوري على الأرض رخيصاً، وسورية مهددة أرضاً وشعباً بالاجتياح من جانب التحالف الإمبريالي الصهيوني الرجعي العربي الذي يضع كل إمكانياته الجبارة لتحقيق هدفه العدواني مستخدماً الشعارات نفسها التي رفعتها الحركة الشعبية السلمية من أجل اقتناصها وتأخير حراكها بما يخدم الهدف الاستراتيجي الذي وضعه ذاك التحالف غير المقدس، فهذا التحالف يعلم تماماً كما هي القوى التي تبنت الحل الأمني كخيار وحيد لأنهاء الحراك الشعبي، إن الحراك الشعبي السلمي الجاري على الأرض بشعاراته الطبقية والوطنية التي رفعها في بداية الحراك، تحمل في مضامينها خطراً حقيقياً على تحقيق المشروع العدواني للتحالف الإمبريالي - الرجعي العربي، كما تعلم القوى المتشددة أيضاً مخاطر تطور الحراك الشعبي بشعاراته الطبقية والوطنية التي كان يرفعها حيث التقت مصالح كلا الطرفين بقطع الطريق على تطور الحراك بشعاراته الطبقية والوطنية كل طرف بطريقته الخاصة، لأن استمرار الحراك الشعبي سلمياً سيفجر طاقات الشعب السوري باتجاه حقوقه الأساسية في العيش بكرامة وحرية في التعبير عن مصالحه الحقيقية، وتحرير أرضه وعلى رأسها تحرير الجولان، وهذا التطور لا يتوافق مع مصالح الطرفين المتصارعين شكلاً، والمتوافقين مضموناً لمنع الحراك الشعبي من التطور الطبيعي، وهنا تكمن مسؤولية القوى الوطنية التاريخية في عدم انخراط معظمها المباشر مع الحراك الشعبي وتركه وحيداً يخوض صراعه الضاري من أجل مستقبل سورية وتطورها وتقدمها، لا بل ترك وحيداً وهو عديم الخبرة السياسية والتنظيمية يتعلم من تجربته يوماً بعد آخر، ولكن بتكاليف وأثمان كبيرة تدفعها الحركة الشعبية بشقيها الصامت والمتحرك على الأرض، وستدفع الثمن أكبر إذا ما تطورت الأحداث وفقاً لما هو جار الآن على الأرض. ومن هنا يكتسب حراك القوى الوطنية وفي مقدمتها الحركة النقابية، أهمية استثنائية في العمل على حماية الوطن والدفاع عنه، وذلك بصياغة برنامجها المستقل عن البرجوازية بكل تلاوينها وأشكالها، وبهذه الاستقلالية تكون قادرة على حماية الاقتصاد الوطني وخاصة القطاع العام الصناعي والزراعي، وتتمثل هذه الحماية بفك ارتباطه مع الشركات الأجنبية وقوى السوق المحلية التي من خلالهما يجري الحصار الاقتصادي من أجل تجويع شعبنا وخاصة الفقراء منهم.
إن مصلحة الطبقة العاملة الخاصة والعامة تقتضي حماية الاقتصاد الوطني وتطويره، وأن يكون وطنياً بكل مراحله ابتداءً بالمادة الأولية وانتهاءً بمرحلة التصنيع النهائية، وعندها تكون الضغوط التي تمارس والحصار المضروب الآن عديم التأثير والأثر، وهذا يقتضي كي يتحقق إطلاق الحريات النقابية والسياسية وتفعيل طاقات وإمكانيات الحركة النقابية والطبقة العاملة التي ليس لها حدود.