كلمة منسجمة
«اللامرئيون أبناء اللامرئين، مالكو اللاشيء، لا يملكون، وإن فكروا بأنهم كذلك. الذين لا يتحدثون لغات، بل لهجات... الذين ليسوا كائنات بشرية، بل موارد بشرية. الذين لا وجوه لهم، بل أيدٍ فقط. الذين لا أسماء لهم، بل أرقام».
كانت هذه مجرد موجات صوتية خرجت من حنجرة الكاتب إدواردو غاليانو (1940 – 2015). ربما تأخذنا كل موجة صوتية، لتخيل صورة مريرة عشنا تفاصيلها في الماضي، أو قد نكون ما زلنا داخل مسنناتها في الوقت الراهن، لكن بدرجات أخف وطأة من ذي قبل، وفي كلتا الحالتين نسعى للانعتاق منها... ففي البدء كانت هناك كلمة واحدة (المشاع)، وصحيح أنها تحمل عناصر إيجابية من أن البشر أحرار - لا يوجد استغلال - لكن في الوقت نفسه تكمن مشكلتها بأنها كلمة بدائية -فوضوية- تضغط على الكائن البشري بطبيعتها التصادفية، فالبشر كانوا جزءاً هشاً بالمقارنة مع أجزاء الطبيعة الأخرى، فمن تلك الهشاشة تحولت الكلمة الفوضوية إلى جملة مركبة، بعدما تخطت مراحل مترابطة ومتشابكة، مما جعلها تبدو أنها جملة سحرية ملعونة... ظاهرها ساكن نسبياً -جملة اسمية- (المجتمع عبودي)، يتناقض، ويضغط بشدة على باطنها المتحرك بالمطلق -جملة فعلية- (كسرَ العبيدُ القيدَ). انتقلت الجملة المركبة إلى طور أعقد تغيّر فيه ظاهرها إلى (المجتمع إقطاعي) لكن الباطن -الجوهر- بقي على ما هو عليه... (كسرَ القنُ القيدَ).
تابعت الجملة المركبة حركتها على هذا المنوال بهالة هلامية، إلى أن وصلت لطور جديد (المجتمع رأسمالي)، ولم تفهم طبيعتها المركبة إلا بعدما وضعت مهمة تغييرها إلى جانب تفسيرها، فزاد الصراع أكثر، وأخذت طبقة العمّال ضمن تركيبة هذه الجملة، طريقاً لا رجعة فيه، من خلال استمرار وحدتهم، وتطوير تنظيم حركتهم، حتى وصولهم إلى هدفهم الثوري المنشود، بنقلة الجملة المركبة إلى كلمة واحدة، كما كانت، لكن بشكلٍ أعلى من ذي قبل، بعد أن تزاح منها كامل خصالها السلبية، ويستفاد من حصيلة عناصرها الإيجابية، ومن بعدها يمكن أن يقال، كانت الكلمة فوضوية بالبدء بالمشاع، وأصبحت كلمة منسجمة تدعى الشيوعية. ومقابل هذا الجانب الأخير النير من حركتها، هناك أيضاً جانب آخر مظلم يدفع به ظاهرها بتدمير بنيتها بالكامل، حتى تخرج منها كلمة فوضوية تسمى (البربرية).
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1140