المسوخ

المسوخ

لا نكتشف جديداً عندما نقول: ليس كل من ادّعى اليسار هو يساري حقاً!

فمسألة الانتماء والموقف السياسي هي قيمة أخلاقية قبل أن تكون شعاراً أو أيديولوجيا أو خطاباً، وهي ممارسة وفعل قبل أن تكون كلاماً..

الذي يدعي الانتماء إلى اليسار، وفي الوقت ذاته يجعل من نفسه مجرد شرطي مرور ينظّم كيفية «تدخّل» الأعداء في بلاده، بحكم أنه لا يعتبرهم أعداءً، لا يصبح «التدخل» عنده مرفوضاً أو مستهجناً، لذا يتحدث لنا عن الشكل الأنسب للتدخل، ويسهب في توضيح مبرراته، إذ لا تنقصه الفصاحة- والشهادة لله- فهو مستعد للجدل في كل شيء حتى في إعادة التساءل ما إذا كانت «إسرائيل» عدوة أم لا!!؟

..«اليساري» الذي يرطن بالطائفية، يقسم السوريين مللاً ونحلاً، وأقليات وأغلبيات، وتتفتق عبقريته عن استحالة التعايش، وهو الذي طالما «صرعنا» بوحدة العالم و«القرية الكونية» الواحدة، داعياً إلى «فتح الأبواب» أمام «ثقافة الهمبرغر» و«الكوكا كولا»..!

والأكثر استفزازاً هو لماذا يصر حتى الآن ذاك «اليساري»- الذي يجعل ممالك النفط محجّاً ومزاراً، ويوجه آيات الشكر والتهاني إلى من يمنع حتى الآن قيادة المرأة للسيارة في مملكته- على تقديم نفسه تحت عباءة اليسار وقد أصبح على يمين اليمين نفسه؟

تعرف مراكز الأبحاث، ومؤسسات صناعة الرأي العام والتحكم به أكثر من غيرها النزوع الطبيعي للإنسان للإنعتاق والدخول إلى «ملكوت الحرية» وكسر القيود، وتعرف أيضاً أن هذه المفاهيم ارتبطت تاريخياً باسم أحزاب اليسار، وتحديداً الأحزاب الشيوعية، وخصوصاً في بلدان الشرق، لذا فلابد من أداة تقدم لنا تحت اسم اليسار، وتسرق رصيد اليسار التاريخي، بعد أن استقال الكثيرون من أبنائه عن القيام بالدور المطلوب منه، وتوظيف ذلك في تسويق مشروع يميني بامتياز يشرذم ويقسم جغرافيا المنطقة من جديد في وقت يتجه فيه العالم موضوعياً إلى الاندماج ولكن بعيداً عن الوصفات الليبرالية. وتوجساً من ذلك يجد المرء كل هذا الكرم مع هذا اليسار الزائف، حيث تسخر له الشاشات، والصحف، وتفتح له الأرصدة في البنوك، وتفبرك القصص عن نضالاته ويسوّق على أنه «روبسبيير» وهو في الحقيقة ليس إلا «غوبلز» جديد..! 

ولكن في إطار تشكيل الفضاء السياسي الجديد ومع عودة الجماهير إلى الشارع ومع رياح التغيير الحقيقي القادمة، ستصبح كل هذه المسوخ جزءاً من الماضي.