الشــيخ إمــام «البحر بيضحك ليه»
لاتزال أغاني الشيخ إمام ترن في الذاكرة الفردية والجماعية، فعلى الصعيد الفردي سمعت أغانيه في تلك الغرفة الترابية التي جمعتنا، نحن أبناء الأرض والفقر،
في تلك الغرفة كان الشيخ إمام يطل علينا من خلال أشرطة الكاسيت (أنا توب عن حبك أنا)، وبرفقة الأمل كنا نستمع لتعربش الأحلام نحو مستقبل آخر كنا ننتظره، في تلك الأيام كان الاستماع للشيخ إمام يعني أن المستمع ينتمي لصفوف اليسار، وفي الحقيقة، إذا كان الوطن (سورية)هو اليسار فهذا يعني أننا كلنا يساريون. لأن أغاني إمام تعلم الحب .
صوت الشيخ إمام تجاوز حدود مصر ليعربش في أرواح عموم الشباب العربي، وشكلت حياته وهو يدافع عن فنه الإنساني محوراً استثنائياً في مخيال المواطن العربي.
هو (إمام محمد أحمد عيسى) ولد في عام 1918 في قرية النمرس في محافظة الجيزة لأسرة فقيرة وكان أول من عاش لها من الذكور، حيث مات منهم قبله سبعة، ثم تلاه أخ وأخت. أصيب في السنة الأولى من عمره بالرمد وفقد بصره والسبب هو الجهل واللجوء للوصفات البدائية في علاج العيون.
حفظ القرآن الكريم في طفولته وذلك على يد الشيخ عبد القادر ندا رئيس الجمعية الشرعية بأبي النمرس, وكان صاحب ذاكرة يقظة.
المحطة الأهم في حياة الشيخ إمام التي نمت علاقته بالموسيقا منذ طفولته حيث كان يهرب لحضور الحفلات والأعراس- هي في تعرفه إلى المؤلف أحمد فؤاد نجم، هذه العلاقة سوف ينجم عنها عشرات الأغاني التي كتبها نجم ولحنها إمام ومنها (البحر بيضحك ليه، جيفارا مات، أنا توب عن حبك أنا،شرفت يا نيكسون بابا، عشق الصبايا، ساعة العصاري ..) وقد تعرف إمام إلى نجم عام 1962 وذلك عن طريق زميل لابن عم نجم كان جاراً للشيخ إمام، ولاحقاً شكلا فرقة للتأليف والتلحين والغناء بعد أن انضم لهم عازف الإيقاع (محمد علي) ولم تكتف الفرقة بأشعار نجم إنما غنت لشعراء آخرين منهم (فؤاد قاعود، سيد حجاب، نجيب سرور، وتوفيق زياد..).
دخلت أغاني الشيخ إمام إلى ملايين البيوت العربية، فهذا الملحن والمغني كان ملتصقاً بهموم الناس، ولاسيما الفقراء الشغالين (يسعد صباحكم كلكلم يا شغالين)، وجاء تعاونه مع نجم ليتمم هذا التفرد في الغناء القريب جداً من الشارع والمعبر عن وجدان ملايين العرب وهم يحلمون بلحظة أخرى يحل فيها العدل وتتغير فيها الحياة نحو الأفضل والأرقى.
سجن الشيخ إمام أكثر من مرة واعتبر أول سجين بسبب الغناء بتاريخ الثقافة العربية، وكان كلما دخل السجن من جديد يغني: (أنا توب عن حبك أنا).
شكل الشيخ إمام علامة فارقة، فكان عصياً على التطويع أو الانكسار، وهو القريب والملتصق بالناس وهمومهم اليومية، وانحيازه الواضح كان صادقاً من خلال اختياره لألحان فيها كل ما يعبر عن الحال اليومي.
تمر هذه الأيام الذكرى 18 لرحيل الشيخ إمام حيث توفي في 7 حزيران 1995 والكتابة عنه تعني فيما تعنيه تذكير الأجيال الجديدة من الشباب بقامة غنائية روجت للحب والصدق والجمال، وحين غنى لمصر: (يا مصر قومي وشدي الحيل) كان يعرف أن الشعب المصري فيه من مقومات الحياة ما يجعله أقوى من أي مرحلة وعصر.
التصاق الشيخ إمام بالهمّ العام، جعله يبتعد عن كل ما يجلب له الثروة، حيث عاش فقيراً ومات فقيراً. وأذكر في ثمانينيات القرن الماضي أحيا الشيخ إمام حفلة في صالة تشرين الرياضية، في تلك الأيام جاء الآلاف لحضوره، غنّوا معه أغانيه، (جيفارا مات) (مصر يما يا بهية، شيد قصورك، يا ولدي..).
نستطيع أن نتذكر كلمات أغانيه ومنها: أغنية (شرفت يا نيكسون بابا يا بتاع الووتر غيت، عملولك ايمة وسيمة سلاطين الفول والزيت، فرشولك أوسع سكة من راس التين على مكة، وهناك تنفد على عكا ويقولوا عليك حجيت، عزموك فقالوا تعالا تاكل بامبون وهريسة، امت لأنك مهيف سدءت انحنا فريسة، هات وشك خودلك تفة..).
وبعد الشيخ إمام بصوته وثقافته ودفاعه عن الشرفاء والفقراء والشغالين والفلاحين والعمال، لحظة مشرقة في وطن عربي ضاقت عليه هذه المواهب الجبارة, الشيخ إمام لحظة حارة من زمن الغضب .. والأحلام الاشتراكية, في ذكرى رحيله، لايكفي أن نغني معه: (سايس حصانك).