وظيفة المسرح عند بريخت
لؤي محمد لؤي محمد

وظيفة المسرح عند بريخت

في أواخر العشرينات من عمره، أصبح بريخت ماركسياً متحمساً. وفي تلك الأوقات الثورية بدا من الطبيعي بالنسبة له أن يطبق الأفكار الماركسية على عمله المسرحي.

تناول بريخت في أعماله بعد الحرب العالمية الأولى: الثقافة الأوروبية والبرجوازية الألمانية والحرب، وقبل كل شيء، كان الجزء الأفضل من ذلك الجيل الذي كان يهدف إلى هزيمة الرأسمالية في نهاية المطاف.

وجها مدينة ميونيخ

ولد بريخت في 10 شباط 1898 في أوغسبورغ في بافاريا، بالقرب من ميونيخ، وتوفي في برلين الشرقية في 14 آب 1956. درس الطب في جامعة ميونيخ 1917-1921، وفي تلك الفترة كانت ميونيخ مدينة ثورية، وهي جزء من ثورة نوفمبر الألمانية 1918-1919.

كانت ميونيخ أيضاً مسقط رأس الحركة النازية بقيادة أدولف هتلر وأنصاره. وفي تلك الفترة انفجرت الفنون في ميونيخ على نطاق واسع، حيث كان الجميع يرسم أو يكتب أو يؤلف، وظهرت أسماء مشهورة في المدينة. في هذه الظروف بالضبط، نضخت الأفكار السياسية والمسرحية لبرتولد بريخت الذي عَرّف العالم على: أوبرا القروش الثلاثة، ودائرة الطباشير القوقازية، وإلى ثلاثين مجلداً من أعماله، وإلى هدفه النهائي: تعليم الشعب الأفكار الاشتراكية.

المسرح يخاطب الجمهور

كتب محررو الموسوعة البريطانية على نطاق واسع عن عمل بريخت الإبداعي، وعن ​​جوهر نظريته في الدراما.

بينما جادل بريخت، بأن المسرح لا ينبغي أن يسعى إلى جعل جمهوره يؤمن بوجود الشخصيات على المسرح، لا ينبغي أن يجعل المسرح يتماهى معهم. ولكن ينبغي بدلاً من ذلك اتباع فن المسرح الملحمي. وهو جعل الجمهور يدرك أن ما يراه على المسرح هو مجرد سرد للأحداث الماضية التي يجب أن يشاهدها بفصل نقدي.

كتب بعض أصدقاء بريخت، أن مهمة المسرح الملحمي تمثيل للظروف. حيث ابتعد بريخت عن الإثارة، وصولاً إلى تصميم مسرح يخاطب الجماهير بشكل تعليمي. من أجل ذلك، أراد جمهوراً هادئاً يمكنه فهم المشاهد المسرحية بشكل أفضل، ويمكنه فهم الصراع الطبقي بشكل سهل.

في عام 1922 بينما كان لا يزال يعيش في ميونيخ، كان بريخت قد ترك بصمته بالفعل في الثقافة الألمانية. وكتب الناقد البرليني هربرت إيرينغ:
في سن 24، غيّر بريخت بشرة ألمانيا الأدبية بين عشية وضحاها. لقد منح وقتنا نغمة جديدة، ولحناً جديداً، ورؤية جديدة، ... ولغة يمكنك أن تشعر بها على لسانك، في لثتك، وأذنك، وعمودك الفقري.

الجماعية في المسرح

كان الموضوع الأساس لآراء بريخت حول المسرح هو: تركيزه الحماسي على الجماعية، مع التقليل من أهمية الفرد. مثلما فعل سيرغي أيزنشتاين في فيلم «المدرعة بوتمكين»، وكما فعل تشارلي تشابلن في فيلم «حمى الذهب».

يقول بريخت: عندما قرأت كتاب رأس المال لكارل ماركس، فهمت مسرحياتي، كان ماركس هو المتفرج الوحيد لمسرحياتي التي صادفتها على الإطلاق.
وكان زملاء بريخت حريصين على إحداث ثورة في تقاليد الأوبرا البورجوازية المتعبة، ومن هنا جاءت قصائد ماهاغوني التي تتعلق بالجشع في مدينة ماهاغوني الخيالية، التي دمرها الفساد والاحتيال والخمر والدولار.

سنوات المطاردة

أثارت عروضه المسرحية الأوبرالية ضجة كبيرة في ألمانيا سنوات 1930-1931، وبدأت الحملات النازية ضده، وفي عام 1933 بعد استيلاء هتلر على السلطة في ألمانيا، هرب إلى الدانمارك. ثم هرب عام 1941 من الدانمارك إلى سانتا مونيكا في كاليفورنيا بسبب الاحتلال الألماني، وهناك قابل العديد من المهاجرين الألمان الذين فروا من مطاردة النازية، التي بدأت تمارس القهر والاغتيالات ضد المعارضين، وتحرق كتب الأدباء الذين لا ترضى عنهم. وكانت كتب بريخت من الكتب التي أحرقت.

وهناك في الولايات المتحدة الأمريكية، لم يكن بريخت راضياً عن الأوضاع الاجتماعية والأخلاقية. وفي عام 1947 حوكم برتولد بريخت في واشنطن، بسبب قيامه بـ «تصرفات غير أمريكية»، وهي التهمة التي كانت تطارد الفنانين والسينمائيين والكتاب الأمريكيين بحجة مكافحة الشيوعية.

عاد بريخت إلى ألمانيا عام 1948، ولكن لم يسمح له بدخول ألمانيا الغربية، فذهب إلى ألمانيا الشرقية، حيث تولى هناك في برلين الشرقية إدارة المسرح الألماني. ثم أسس في عام 1949 فرقة برلين. وتولى عام 1953 رئاسة نادي القلم الألماني. وحصل عام 1954 على جائزة ستالين للسلام، وعمل في المسرح حتى وفاته سنة 1956.

أراد برتولد بريخت مسرحاً وفنوناً تساهم في مقاومة النازية والرأسمالية، حيث عمل طوال حياته مع زملائه لإنتاج الفن الساخط على الرأسمالية والعسكرة والطبقات الحاكمة والعصابات النازية.

المسرح والتغيير

يقول المسرحي السوري الراحل فواز الساجر:

«أنا أفهم المسرح كمسرح يُغيّر ولا يتغير، أنا أرفض المسرح الذي يقدم قيماً أخلاقية ثابتة من منظور تبريدي، المسرح المطلوب في وطننا، هو: المسرح الذي يؤكد قيماً اجتماعية وأفكاراً جديدة تدفع بوعي الناس إلى الأمام».

حيث كان الساجر يشير إلى ضيق المجال الإبداعي للمسرح، بسبب الأوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية السائدة في البلاد، تلك الأوضاع والظروف التي تجعل الفنان يقع أسيراً ضمن قيود من التقاليد والقواعد والأحكام والرقابة والمنع الناعم. كما انتقد فنانين وكتاب آخرين، والتكاثر السرطاني للمنصات التي تقدم مواد فنية من نمط واحد.

وعن وظيفة ودور المسرح، تتكامل الرسالتان، رسالة المسرحي الألماني الراحل برتولد بريخت، ورسالة المسرحي السوري الراحل فواز الساجر، حيث أضاء كل واحد منهما الضوء في الأنفاق المظلمة، كل في زمنه. ورحل الاثنان، ولكن بقيت الأفكار تنير الأنفاق المظلمة.

كان الساجر يشير إلى ضيق المجال الإبداعي للمسرح بسبب الأوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية السائدة في البلاد

معلومات إضافية

العدد رقم:
992